"طوفان الأقصى"... دراجة طائرة مفرطة في إنسانيتها

11 أكتوبر 2023
من صواريخ المقاومة (محمود همص/ فرانس برس)
+ الخط -

لا يبتعد "مهرجان نوفا الموسيقي"، الذي يقام في "إسرائيل"، سوى بضعة كيلومترات عن الجدار الذي يعزل غزة، ويمعن في حصارها منذ 17 عاماً. الحفل المشابه للكثير من الحفلات في أنحاء العالم قريب من خط التماس. بصورة أدق، خط اللاتماس، فوجود الجدار بارتفاعه وأسلاكه يخلق أمناً من نوع ما للمحتفلين. فهل يمكن مثلاً أن يضطر الراقصون واللاهون إلى التظاهر بالموت لينجوا من أسر المقاومة الفلسطينيّة؟ احتمال بعيد، لكنه تحقق.
اللافت في عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها كتائب عز الدين القسام هو "التكنولوجيا" المستخدمة. ونضع الكلمة بين علامتي تنصيص، كوننا أمام ما يمكن تسميته بـ"تقنيات الضرورة". هناك جدار، ما من مشكلة. فلا جدار عالياً كفاية ليمنع أصحاب الأرض من دخولها. وهنا المفارقة، هبط رجال المقاومة من السماء، راجلين وعلى دراجات.
السماء التي من المفترض أن "إسرائيل" تهيمن عليها بالكاميرات والمسيّرات، ولا يمكن حتى الاقتراب من الجدار من دون إطلاق الإنذار، بدت كمساحة للنزهة أمام رجال المقاومة، إذ هبطوا من السماء بأدوات قد تبدو للوهلة الأولى بسيطة، لكنها حققت المراد منها. وهنا بالضبط ما تعنيه "تقنيات الضرورة"، أجهزة التنصت الإسرائيلية (بيغاسوس) والمسيّرات، تعكس فائضاً تكنولوجياً، لكنها لم تكن تتوقع أن يهبطوا من السماء، باستخدام تقنية تفيد بدقة الهدف المراد منها، وهي التأكيد أن الجدار مهما علا، يمكن اختراقه، أو حتى "القفز" فوقه.
نشرت وكالة رويترز تفاصيل التدريبات التي أجرتها حركة المقاومة استعداداً لـ"طوفان الأقصى". العمل، إذاً، مدروس. المناخ السياسي والتكاسل العسكري في "إسرائيل" شكّلا الفرصة السانحة، كي نجد أبناء غزّة يعبرون الجدار من دون أن يمنعهم أحد. لكن كل ذلك لا يقارن بالدراجة التي هبطت من السماء، كما لو أنه أقرب إلى عنوان فيلم من نوع ما. وهذا بالضبط ما يعكس توثيق العملية، بث صور تكشف عملية التنفيذ لزعزعة الأمن الوهمي لكيان الاحتلال. ليست الصواريخ فقط تهبط من السماء، بل الرجال أيضاً.
اللغة الشعرية في الكتابة هنا لا فكاك منها أمام الصور التي بثّت للجهد العسكري الذي بذلته المقاومة، خصوصاً أن الجدار يمثل أسطورة من نوع ما، منيع ومحصّن من الاختراق، ومراقب دوماً. لكن يبدو أن دراجة تطير قادرة على عبوره. تقنيات الضرورة هذه، حسب ما افترضنا اسمها، تسخر من "التكنولوجيا المتطورة" التي تحمي حدود دولة الاحتلال. وهذه بالضبط المفارقة، دراجة طائرة في مواجهة تكنولوجيا لحماية الجدار، ذات أسماء تزرع نوعاً من "الأمن" في قلب من يؤمن بها، إذ تُطلق إسرائيل عليها "معطف الريح"، ومهمّتها اعتراض الطائرات. وهناك تقنية أخرى تُدعى "يرى-يطلق النار" لاستهداف أي صاروخ يقترب من الجدار. لكن لا المعطف ولا غيره، تمكنا من صد الدراجة التي تطير.
اللافت، أيضاً، أن صور "الانتقام" الإسرائيلي لا تحتوي عنصراً بشرياً، إما صور لشاشات القنص وهي تستهدف غزة ورجال المقاومة، أو صور الطائرات التي تنسف الأبنية من أرضها. هذه الصور الملتقطة من بعيد تكشف الخوف أيضاً. "تكنولوجيا" عالية الفعالية تطيح كل ما يواجهها، لكن "من بعيد".

أما صور المقاومة، فتحوي الاشتباك والبطولة والمخاطرة بالذات. ببساطة، إن كانت الطائرة المسيّرة "قاتل إنسانيّ"، حسب الأدبيات العسكرية، "يقنص" من بعيد ويحافظ على حياة الجندي. الدراجة الطائرة مفرطة في إنسانيتها، تترك مساحة للأسر والاستسلام بل والدفاع عن الذات، بعكس تلك الكاميرا التي تقتل من أمامها وكأنهم في لعبة فيديو.
تهدد إسرائيل باجتياح عسكري بري لقطاع غزة، لكن لا نعلم ما الذي تجهزه المقاومة في ترسانتها. والأهم، أن القصف الإسرائيلي لقطاع غزة نجم عنه قتل عدد من الأسرى، فهل تخاطر إسرائيل بحياة "مواطنيها" من أجل الانتقام الأعمى؟

المساهمون