طلعت زين... الصوت الذي هجر الغناء

19 سبتمبر 2022
رحل عام 2011 (فيسبوك)
+ الخط -

11 عاماً مرّت على رحيل الفنان المصري طلعت زين (1955 ــ 2011)، ولا تزال أعماله وسيرته الفنية مجهولة بالنسبة لكثيرين في مصر وخارجها. ولعل سبب هذا الجهل يعود إلى طبيعة المسيرة التي اختارها زين لنفسه، إذ عاش حياته، القصيرة نسبياً، غير مكترث بالنجومية أو بالشهرة، ومرتبطاً بالموسيقى كصناعة مبهجة ومبدعة، فخلق علاقة حب وود مع جمهوره، بعيداً عن الصراعات التي حكمت المشهد الموسيقي منذ سبعينيات القرن الماضي.
تنقل الفنان المولود في مدينة الإسكندرية، بين الغناء في فرقة مستقلة والغناء منفرداً باللغة الإنكليزية، ثم الغناء باللغة العربية، ثمّ التمثيل في أدوار ثانوية، ثم النجاح في السينما، وهو بين كل هذه المراحل بنفس الشغف والمتعة والحب.

ولد زين لأب وأم مهتمين بالموسيقى، خصوصاً الغربية، فكانت حاضرة في مختلف مراحل نشأته. وفي كلية الهندسة في جامعة الإسكندرية التي دخلها للدراسة، واكب التغييرات التي طرأت على المشهد الموسيقي في مصر، وبداية بزوغ الفرق المستقلة المتأثرة بالموجة العالمية للموسيقى فانضم طلعت إلى فرقة "دريمرز"، لتكون بداية انطلاقه في عالم الغناء الغربي.
ثم جاءت النقلة الكبرى في مسيرته، أي الانضمام إلى أهم فرقة غنائية في مصر في تلك المرحلة "لي بيتي شاه" (Les Petits Chats) التي كانت من أوائل الفرق الموسيقية المحلية، وضمت مجموعة من أهم الموسيقيين مثل عمر خيرت، وعزت أبو عوف، وعمر خورشيد، وصادق القليني، ووجدي فرنسيس.


عام 1982، انسحب من الفرقة الشهيرة وانضم إلى فرقة "ترانزيت باك" مع أيمن أبو سيف وعمرو خيري وأشرف المحروس، الذي سيصبح واحدا من أهم الموزعين الموسيقيين في السنوات القادمة وحتى وقتنا هذا. ومع النجاحات المتراكمة التي حققتها الفرق الموسيقية، وسطوع اسم زين، حصل على فقرة فنية منفردة في مطعم "بيانو بيانو" عام 1985، ليبدأ بعدها زمن انحسار الفرق الموسيقية الغربية، وتقدم غناء البوب المصري مع مجموعة من الفنانين الشباب.

نجاح "راجعين"

في الثمانينيات أيضاً قدم زين أول مشاركة له في عمل سينمائي في فيلم "أنياب" (1981) جنبا إلى جنب مع أحمد عدوية وعلي الحجار. لكن كل ما سبق يمكن وضعه في كفة، وظهوره مع عمرو دياب عام 1995 في كفة ثانية. في تلك السنة، اختار طارق العريان تصوير فيديو كليب أغنية عمرو دياب "راجعين" (كلمات مدحت العدل، وألحان رياض الهمشري) بطريقة خاصة. فبدأ الفيديو بطلعت زين وهو يردد "تعالى تعالى يا حبيب العمر تعالى" بينما الصورة بالأبيض والأسود.


جمع كليب عمرو العديد من نجوم الفرق الموسيقية الأولى في مصر، فإلى جانب طلعت زين كان هناك عزت أبو عوف وحسين الإمام، لكن زين أسر الجميع بصوته الجميل المختلف عن السائد في تلك الفترة على الساحة الغنائية. سريعاً قررت شركة صوت الدلتا ومدحت العدل استغلال هذا النجاح وتقديم طلعت زين في ألبوم خاص به تحت اسم "تعالى تعالى"، ليكمل العدل كتابة كلمات الأغنية بشكل مختلف، ولحنها ووزعها أشرف محروس.

ألبومان باهتان

طبعاً نجحت الأغنية، خصوصاً مع تصويرها على طريقة الفيديو كليب. وقد جمع الألبوم تجارب كثيرة مختلفة، منها تجربة غناء ألحان عالمية مثل لحن "ماكرينا" (كتب الكلمات العربي للأغنية عمر عادل) تحت اسم "أحلى عيون"، وحققت الأغنية  وقتها نجاحاً كبيراً. لكن رغم شعبية الأغنية فإن الألبوم بدا تائهاً، ولم تعرف الألحان والتوزيعات كيف تقدّم صوت طلعت زين الفريد إلى الجمهور.
نجاح "أحلى عيون" دفع طلعت زين في ألبومه الثاني عام 1996 إلى استعادة أغنية Tic, Tic Tac للفرقة البرازيلية Carrapicho، فحول عنوانها الشاعر عادل عمر إلى "تيكي تا"، وصاغ طارق مدكور الرؤية الموسيقية، وصورت كذلك على طريقة الفيديو كليب. كذلك استعاد طلعت زين أغنية Should I Leave، لتكون الأغنية الرومنسية الخاصة بالألبوم، وحملت في نسختها العربية عنوان "فاضل إيه"، لكن هذه المرة غنى الفنان المصري النسختين أي الإنكليزية والمصرية.


ومثل الألبوم الأول، كانت باقي أغاني الألبوم تائهة تحاول إرضاء السوق في عقد اشتدت فيه المنافسة بشكل كبير، إذ بدت الخيارات الغنائية المختلفة غير ملائمة لصوت زين أو للصورة التي رسخها في أذهان الجمهور. لذلك بدأ زين ينسحب تدريجياً في عالم الغناء والموسيقى، مشاركاً في أدوار بسيطة في أفلام ومسلسلات في فترة التسعينيات، وصولاً إلى دوره البارز في فيلم "أفريكانو" (عام 2001 إخراج عمرو عرفة، وبطولة أحمد السقا ومنى زكي). بعد هذا الفيلم شارك زين في أعمال سينمائية ونجح فيها، فبات ممثلاً فقط مفضلاً الابتعاد عن الغناء. ومن الأفلام التي شارك فيها "أحلام عمرنا" (عام 2005، إخراج عثمان أبو لبن، وبطولة منى زكي، ومنة شلبي ورامز جلال ومصطفى شعبان)، و"الديلر" (عام 2010، إخراج أحمد صالح وبطولة أحمد السقا وخالد النبوي ومي سليم).
لكن رغم أن سنوات عمله الأخيرة ارتبطت بالسينما، فعند استعادة سيرة طلعت زين اليوم بعد أكثر من عقد على رحيله، تحضر صورته مغنياً أولاً، بصورته البيضاء والسوداء وهو يردد "تعالى تعالى تعالى يا حبيب العمر تعالى"، رغم ابتعاده الطويل عن الموسيقى.

المساهمون