صناعة الموسيقى في مصر ومواجهة السبات الإعلامي

13 يونيو 2022
حرص عمرو دياب على إصدار ألبوم سنوي حتّى الآن (فيسبوك)
+ الخط -

على مدار أكثر من عقد مضى تراجع الإنتاج الغنائي في مصر بشكل لافت، وتحديداً عقب الثورة المصرية عام 2011، والتي توقف فيها المطربون من مختلف الصفوف عن إحياء الحفلات أو حضور الفعاليات الملغاة من الأساس لأسباب أمنية أو اجتماعية.
  
‎ومنذ كانون الثاني/ يناير 2011 وحتى أيار/ مايو 2014 كانت الحركة الغنائية في مصر تترنح بين الوطني والثوري وبعض الأدعية الدينية وبالطبع شارات البداية والنهاية للمسلسلات الدرامية. وبحصر الإنتاج الموسيقي خلال أكثر من اثني عشر عاماً، نجد أن متوسط إصدار الألبومات الغنائية تراجع بشكل لافت وفقاً لصفحاتهم الرسمية على ويكيبيديا، إذْ لا يتعدى ثلاثة ألبومات خلال كل هذه الفترة باستثناء المطرب عمرو دياب الذي حرص على إصدار ألبوم غنائي بشكل سنوي حتى الآن.

‎وبطبيعة الحال فقد أثر ذلك التراجع في حجم الإنتاج الغنائي على قطاع كبير من الموسيقيين إلى جانب تفشي موسيقى المهرجانات المستأنسة حديثاً في تلك الفترة والتي تراجع أمامها العديد من المطربين والموسيقيين. وهنا كان حتمياً إيجاد الملاذ الآمن لظهور الصناع مجدداً والبحث عن بوابة مضمونة النجاح لتمرير صوت المطربين من خلال ما تجود به قرائح الشعراء والموسيقيين ليقتحموا بقوة مجال الإعلانات بغض النظر عن المُنتج أو خلفية الجهة المعلنة.
 
‎وحلّ فيروس كورونا، وكان مناخاً ذهبياً لصناعة موسيقى الإعلانات، فمع ارتفاع نسب القابعين أمام التلفزيون، أدى ذلك إلى ظهور محتويات جديدة تخاطب الجمهور بمفردات اجتماعية مثل إعلان إحدى شركات الاتصالات الذي قدمته المطربة شيرين عبد الوهاب. وشارك فيه العديد من النجوم، وهنا استخدم الشاعر عبد الحميد الحباك مفردات خاصة جداً عن اللُحمة والترابط العائلي و"اللمة" المفقودة بين الأهل والأصدقاء، لتتناغم الكلمات مع الموسيقى التي قام بتلحينها إيهاب عبد الواحد، وتتوارد الخواطر في إعلانات كل من إليسا وتامر حسني وعمرو دياب والعديد ممن ساروا على نفس "التيمة" أو الطريقة المتبعة في إعلانات فترة كورونا.

‎ومع استمرار التدفق الإعلاني، وما صاحبه من إنتاج موسيقي، نجد أن هذا السوق الكبير أصبح متخماً بأبرز الشعراء والملحنين والموزعين الموسيقيين مثل الملحنين عمرو مصطفى، وعزيز الشافعي، ومحمد يحيى، وإيهاب عبد الواحد، وأحمد طارق يحيى، وشعراء مثل أيمن بهجت قمر، وأمير طعيمة، ومنة القيعي، وعبد الحميد الحباك، وموزعين مثل فهد، وتميم، ووسام عبد المنعم. وعن المطربين فحدّث ولا حرج، بدءاً من عمرو دياب، ومحمد منير، وتامر حسني، ووائل كفوري، ومحمد حماقي، وحسين الجسمي، وشيرين، وإليسا لتتسع القائمة لتشمل كل صاحب حنجرة مغنياً كان أو ممثلاً.

‎وشهد رمضان الماضي حالة من التضخم للإنتاج الإعلاني ليضم أبرز  نجوم الفن والرياضة في مصر والعالم العربي، مثل ياسمين عبد العزيز وكريم محمود عبد العزيز حيث قاما بتقديم إعلان استعراضي، قامت بكتابته منة القيعي ولحنه أحمد طارق يحيى ليتصدرا "التريند" الإعلاني في رمضان، ويحققا خلال ثلاث دقائق نجاحاً لم تحققه مسلسلات رمضانية على مدار ثلاثة مواسم.


 
في ذات السياق قام الملحن إيهاب عبد الواحد والشاعرة منة القيعي باستثمار نجاح أغنية "الغزالة رايقة" من خلال ترشيح مطربها الطفل محمد أسامه لمشاركة الفنان أحمد سعد في الغناء لمصابي السرطان في إعلان إحدى المشافي، وهو ما يؤكد العلاقة التبادلية بين السوق الغنائي التقليدي والإعلاني. 

وتتسع دائرة صناع الموسيقى المطربين لتتعدى تنفيذ الإعلانات من مصر إلى الخليج. فنجد لأول مرة وعلى مدار أكثر من موسم إعلانات لإحدى شركات الاتصالات الوطنية الشهيرة بدولة الكويت تتبنى ظهور صناع من مصر وبلهجة عامية تخالطها الفصحى على استحياء، مثل الممثل محمد رمضان والمطرب أحمد سعد.

كما جذب هذا السوق الكبير الفنان اللبناني وائل كفوري الذي قام بالغناء بالعامية المصرية لأول مرة إعلانياً والثانية خلال مشواره الفني، وكلمات الإعلان للشاعر أمير طعيمة وألحان عمرو مصطفى والتوزيع الموسيقي لتميم.
  
وحتى الآن يبدو مناخ التحول إلى الإعلانات مقبولاً وبديهياً لما سبق ذكره، ولكن على جانب آخر فتحت هذه البوابة المجال لبعض الفنانين لتمرير رسائل شخصية أو استعراض أمجاد فنية سابقة، مثل إعلان الفنانة شيريهان الذي قدمته العام الماضي لإحدى شركات الاتصالات المصرية، والتي ظهرت فيه بدراما تحاكي حادثها الشهير بأسلوب استعراضي، وأيضاً قام بتلحينه وكتابته الثنائي إيهاب عبد الواحد ومنة القيعي. 

‎وفي سياقٍ متصل أخذت إعلانات الفنان محمد رمضان منحى مشابهاً من حيث الاستعراض والغناء، ولكن برسائل نرجسية من خلال استخدام مفردات القوة والتفرد وتكرار جملته الشهيرة "نمبر وان". وبين هذا وذاك، ما زال البحث مستمراً حول ماهية المنتج وهدف الإعلان، المغيبين وسط كل هذا الزخم الموسيقي والدرامي.
                                           
‎وباتساع دائرة هذه الصناعة، تبنى بعض الملحنين والشعراء فكرة إنشاء شركات واستوديوهات للإنتاج الموسيقى والتعهد بتقديم مادة موسيقية جذابة للمعلنين مثل الملحنين عمرو مصطفى، ومحمد رحيم، وإيهاب عبد الواحد، وعزيز الشافعي.

وبمراجعة ما تم إنتاجه موسيقياً على الصعيدين الإعلاني والغنائي يتضح بقوة مدى إقبال صناع الموسيقى على الإعلانات مقارنة بالألبومات الغنائية. لما للأول من مواصفات إبداعية أقل صرامة، إضافة إلى الميزانيات المفتوحة من جانب المعلنين وحجم الجمهور المتوقع خلال موسمي رمضان والأعياد.

جدير بالذكر أنه في جنبات هذا السوق المتخم بنجوم الموسيقى تراجعت بشكل لافت أغاني المهرجانات و"التِّرَابْ" الإعلانية أمام هذا التدفق الموسيقي. وبالرغم من بعض المحاولات التي ظهرت على استحياء إلا أن النصر كان حليف "جوقة مارينا والجونة الغنائية" من المطربين والممثلين وقبلهم المعلنين، وكأن حلبة المنافسة انتقلت إلى عالم موازٍ يحاول فيه نجوم صناعة الأغنية الحديثة الظهور بقوة مجدداً أمام صناع المهرجانات الذين نجحوا في بناء قواعد جماهيرية ضخمة من مختلف الطبقات محلياً وعربياً. 
 

المساهمون