صحيفة ليبراسيون... 50 عاماً على أحلام "التحرير"

05 مايو 2023
جان بول سارتر (يميناً) خلال التحضير لإطلاق الصحيفة عام 1973 (فرانس برس)
+ الخط -

في الخامس من فبراير/ شباط من عام 1973، صدر بيان للإعلان عن صدور قريب لـ"صحيفة حرّة كل صباح". بيان من أربع صفحات، مدير تحريرها الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر. "ليبراسيون" أو بالعربية "التحرير"، اسمٌ تيمّن بحركة مقاومة ظهرت خلال الحرب العالمية الثانية، اسمها "التحرير"، وكانت قد أصدرت صحيفة سريّة، بالاسم نفسه، في يوليو/ تموز من عام 1941. وكانت هي الصحيفة الأكثر انتشاراً خلال الحرب. 

بعد ثلاثة أشهر من البيان، خرج العدد الأول من الصحيفة، لتتوفر للبيع في الأكشاك للبيع ابتداءً من 22 مايو/ أيار 1973 (بدأت الصحيفة تصدر قبل ذلك بشهر لكن من دون إتاحتها للبيع العام). في فبراير من عام 1981، توقفت الصحيفة عن الصدور. أبلغت جمهورها في العدد الأخير من حقبتها الأولى أن التوقف سيكون طويلاً لكن العودة حتميّة. بعد شهرين، أي في 12 مايو، صدر عدد جديد من الصحيفة: العدد صفر، أو أوّل أعداد ما يُمكن تسميته بالحقبة الثانية من حياة "ليبراسيون". عددٌ احتفل بوصول فرنسوا ميتران لرئاسة الجمهورية الفرنسية. كانت مناسبة بمناسبتين لليسار الفرنسي: عودة الصحيفة اليسارية إلى قرّائها، ووصول مرشح اليسار إلى رئاسة الجمهورية. عنونت "ليبراسيون" عددها الصفر: "وأخيراً المغامرة".

في فبراير من عام 1982، وجدت الإعلانات طريقها إلى صفحات الصحيفة. تحوّل كبير، اعتبره كثيرون مخالفاً للمبادئ التي تأسست عليها. أحد التقارير التلفزيونية وصف هذا التحوّل على أنه "بللٌ رأسمالي" أصاب صفحات المطبوعة اليسارية. لم يكن استمرار الصحيفة مُمكناً من دون اللجوء إلى المداخيل الاعلانية. ولكن لم تكن هذه الأزمة الوحيدة التي مرّت بها "ليبراسيون"، حالها حال جميع المطبوعات في العالم. الصحيفة التي كانت في الثمانينيات ملكاً لموظفيها، اضطرّت مع الوقت إلى إدخال مساهمين برؤوس أموال كبيرة، وذلك لتأمين الاستمرارية.

في فبراير/ شباط من عام 1982 وجدت الإعلانات طريقها إلى صفحات الصحيفة

في فبراير من عام 1996، صوّت الموظفون على مشروع إعادة رسملة الصحيفة، وصارت إحدى الشركات هي المساهم الأكبر في تمويل الصحيفة. تكرّرت الأزمات، وتزايدت الحاجة إلى التمويل. تزايد عدد المساهمين، ولكن الأزمة استمرّت في التوسع. عام 2006، مدير النشر وأحد مؤسسي الصحيفة الأساسيين الفرنسي سيرج جولي، يُعلن استعداده للاستقالة، في حال كان الأمر سيُساعد في حل الأزمة المالية. وهذا ما حصل، استقال جولي بعدمت كان قد اشترط أحد كبار المساهمين، رجل الأعمال إدوار ديروتشيلد، استقالته من أجل تمويله الصحيفة. وفي بداية هذا العام، أعلنت إدارة الصحيفة عن عودة مؤسسها، الصحافي سيرج جولي ككاتب زاوية سياسية.

عام 2014، وصلت مبيعات الصحيفة اليومية إلى ما دون المائة ألف نسخة. مواجهة الأزمة المالية نجم عنها إلغاء 93 وظيفة عمل وإعادة برمجة عملها والتوجّه بشكل أوسع إلى اعتماد الوسائط المتعددة. بسبب هذه الأزمة، وقع الخلاف بين الصحافيين العاملين والمساهمين، بعدما قرّر الممولون تحويل الصحيفة إلى منصة شبيهة بوسائل التواصل الاجتماعي، أي تحويلها إلى منصة مُنتجة للمحتوى الرقمي، الذي يُمكن من خلاله تحقيق عائدات مالية، وذلك عبر التركيز على الوسائط المتعددة من فيديوهات وغيرها. رفض الصحافيون اقتراح الممولين رفضاً قاطعاً، وأصدروا عددهم ليوم 8 فبراير من عام 2014 بعنوان: "نحن صحيفة، وليس مطعماً، ولا شبكة اجتماعية، ولا مساحة ثقافية، ولا تلفزيوناً، ولا حانة ليلية...".

قبل أيام احتفلت الصحيفة بالذكرى 50 لانطلاقها، بعدد خاص من 50 صفحة. في هذا العدد استعاد الصحافيون ذكرياتهم مع أبرز القضايا التي كتبوا عنها. 50 صفحة نقلت القراء في رحلة من الستينيات إلى اليوم.لا بُدّ من محطة تروي علاقة هذه المطبوعة بالصورة

وفي واحدة من الصفحات، كان لا بُدّ من محطة تروي علاقة هذه المطبوعة بالصورة. علاقة استثنائية، صارت علامة مميزة: صورة ممتدة على الصفحة الأولى، مُرفقة ببضع كلمات أحياناً، وفي كثير من المرات من دون كلمة واحدة. صورة "ليبراسيون" والمواضيع المختارة لتكون على الغلاف غالباً ما أبهرت القراء. توليفة بصرية يستقبلها وينتظرها القراء مع كل مناسبة استثنائية.

في مقال العدد الخاص، يروي رئيس قسم الصور في الصحيفة، ليونيل شارييه، قصة هذا الارتباط وأهمية الصورة بالنسبة للصحافيين، مشيراً إلى أن بداية ترسيخ "سياسة خاصة بالصور" انطلقت في الثمانينيات. في إبريل/ نيسان من عام 1980، ومع خبر موت المؤسس جان بول سارتر، طلب المؤسس والصحافي سيرج جولي من الفريق العامل "صفحة أولى استثنائية، على مستوى أهمية سارتر في الحياة الثقافية، ولكن أيضاً على مستوى أهمية علاقته بالمطبوعة". أراد جولي الصورة، وليس أي صورة.  يقول شارييه، إن سياسة "ليبراسيون" في ما خصّ الصور، تنص على احترام وجهة نظر المصور تماماً كما تُحترم وجهة نظر المراسل الصحافي. لا يتمّ قصّ أو اقتطاع أي جزء من أي صورة، واختيار الصورة يتمّ مع المصور، أما المعلومة المرافقة فتنطلق من الصورة وليس من مكان آخر. ركّزت الصحيفة منذ الثمانينيات على إيجاد مصورين حكّائين. وهكذا تعزّز الحضور البصري ليصير جنباً إلى جنب مع المعلومة الصحافية. لا فرق بينهما، وهما عنصران يكتملان تحت عنوان واحد: "ليبراسيون". 
 

المساهمون