على عكس الإمارات التي حاولت الترويج لتطبيعها مع إسرائيل في صحفها بأنه يأتي لمصلحة الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، وأن وليّ عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن زايد بات "رجل السلام" ومحرك "عجلة التاريخ"، جاء التطبيع البحريني مع إسرائيل في صحفها كخبر باهت، رغم تصدّره عناوين الصفحات الأولى طوال أسبوع كامل. فشلت الصحف البحرينية الرسمية والمملوكة للدولة أو لرجال أعمال محسوبين على الدولة في تقديم دعاية مناسبة للرأي العام داخل البحرين وخارجها حول قرار التطبيع، واكتفت بنشر عناوين كبيرة مثل "خطوة تاريخية على طريق السلام والازدهار" و"فجر جديد للشرق الأوسط" و"إنجاز تاريخي بالسلام". ولم تقدم هذه الصحف أي تحليلات حول الأسباب التي دفعت البحرين إلى التطبيع، كذلك فإنها لم تفتح أي مجال للنقاش السياسي الاقتصادي الذي يترافق مع إعلان أي دولتين توقيع اتفاقية سلام أو تبادل تجاري أو غيرها.
واكتفت بعض الصحف بنقل الخبر من الوكالات الأجنبية من دون تحريره حتى، وكان من اللافت أن غالبية مساحات الصفحات الأولى من الصحف التي خصصت لوضع أخبار عن اتفاقية "السلام" هي لأفراد من الأسرة الحاكمة، وبعضهم ليست له صفة رسمية، يهنئون ملك البلاد باتفاقية السلام، وعدد من التصريحات والبيانات المنسوبة إلى مجلس النواب البحريني ولعدد من الوزراء. وفي محاولة لزيادة عدد المواد المكتوبة عن اتفاقية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، نشرت الصحف البحرينية برقيات التهنئة التي تلقاها العاهل البحريني بمناسبة الاتفاقية من محافظي المحافظات ورؤساء المناطق، ونشرت إحدى الصحف برقية تلقاها الملك من مستشاره بعد اتفاقية السلام.
وكتب بعض الصحافيين الموالين للنظام البحريني مقالات خجولة، في محاولة لتبرير الاتفاقية، كان أبرزها مقال رئيس مجلس إدارة صحيفة "البلاد" عبد النبي الشعلة، وهو رجل أعمال ووزير سابق، قال فيها: "إن الفاسدين والانتهازيين والمزايدين على القضية الفلسطينية تجمعوا حولها، وأصبحت بالنسبة لهم سلعة مربحة، وتكاثر حول القضية الساعون إلى التكسب والمتاجرون بمصائر الشعوب وتجار البضائع البالية والفاسدة وسماسرة الشعارات الفضفاضة المستهلكة والمطبلون والمهرجون الحالمون ومخلفات الأحزاب والمشروعات القومية الفاشلة".
وحاول رئيس مجلس إدارة جريدة "البلاد" من خلال شتائمه التي وجهها إلى من وصفهم بالمتاجرين بالقضية الفلسطينية الترويج للاتفاق الذي وقعته البحرين مع إسرائيل، فيما تجاهلت ذات الصحف البيانات التي أصدرتها الجمعيات البحرينية المدنية وجمعيات النفع العام والبيان المشترك الذي أصدرته 17 جمعية بحرينية، أكدت فيه أن التطبيع لا يمثل شعب البحرين وأنه لن يثمر سلاماً في المنطقة.
وقال البرلماني البحريني السابق علي الأسود إن "صحف البحرين الصفراء أبرزت بوقاحة توقيع الذل مع إسرائيل وستبقى وصمة عار يسجلها التاريخ وتحفظها الأجيال". وأدانت رابطة الصحافة البحرينية التطبيع مع إسرائيل وهيمنة الحكومة على المؤسسات الإعلامية، قائلة إن ذلك انعكس على إحجام الصحافة المحلية عن تناول مواقف مؤسسات المجتمع المدني المنددة بقرار التطبيع. ودعت الرابطة، وهي جهة غير حكومية، حكومة البحرين إلى أن "تضمن للبحرينيين، أفراداً ومؤسسات، حرية التعبير عن آرائهم حول قرارها تطبيع العلاقات مع إسرائيل مع ضرورة أن يكون لمواقف مؤسسات المجتمع المدني الناقدة نفاذية إلى الفضاء الإعلامي في الدولة".
وقال الناشط الإعلامي المعارض محمد الدرازي لـ"العربي الجديد" إن تغطية الصحافة البحرينية لمستجدات قرار التطبيع مع إسرائيل كان "مزيجاً من المسرحيات الرخيصة والهزلية والمحزنة في آن واحد". وأضاف الدرازي: "النظام البحريني وصل إلى مرحلة العجز والسقوط الشعبي إلى درجة أنه اقتنع بعدم جدوى محاولته تبرير التطبيع أمام شعبه واكتفت صحفه التي تبلغ ميزانياتها ملايين الدولارات سنوياً بنشر رسائل التهنئة التي يتبادلها الابن مع أبيه في العائلة الحاكمة حول التطبيع في الصفحات الأولى"، قائلاً: "إنهم فاشلون حتى في البروباغاندا".
وانتقد ناشطون إعلاميون آخرون عدم تغطية الصحف البحرينية لسيل الاحتجاجات الذي اجتاح وسائل التواصل الاجتماعي في البحرين من جميع الأطراف الموالية للنظام تاريخياً والمعارضة له. ومنذ بدء الاحتجاجات الشعبية في فبراير/ شباط 2011، لجأت السلطات البحرينية إلى مطاردة الصحافيين والناشطين الإعلاميين واعتقالهم وتعذيبهم لتصبح البحرين واحدة من أسوأ البلدان العربية في سجلات حقوق الإنسان. وأغلقت السلطات البحرينية الصحف المعارضة للحكومة، ومن أبرزها صحيفة الوسط في عام 2017 بسبب عدم امتثالها للخط الحكومي الرسمي ووجود معارضين ضمن مجلس إدارتها.