تعليم التمثيل في سورية: مدارس للأغنياء

17 نوفمبر 2024
تكريم منى واصف في المعهد العالي للفنون المسرحية، 2022 (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تدهور المعهد العالي للفنون المسرحية في سوريا بعد 2011 بسبب نقص الكوادر وغياب الدعم، مما أثر على جودة التعليم والبنية التحتية.
- ظهور مراكز ومدارس فنية خاصة تقدم تدريس التمثيل، لكنها تواجه منافسة غير صحية وتفاوت في الدعم المالي، حيث تحصل بعض المراكز على دعم من جهات مقربة من النظام.
- تجربة مدرسة الفن المسرحي في جرمانا ومعهد "تياترو" تعكس تحديات ضعف الإمكانيات وغياب الدعم المالي، مما يهدد بتراجع المستوى الأكاديمي للدراما السورية.

قبل عام 2011، كان تدريس التمثيل في سورية، يقتصر على المعهد العالي للفنون المسرحية، الذي خرّج العديد من الممثلين وقد أصبح بعضهم نجوماً بارزين اليوم. طيلة العقود التي سبقت الثورة ثمّ الحرب، تمتع المعهد بمستوى أكاديمي جيد من حيث التقنيات وأعضاء هيئة التدريس، فضلاً عن المناهج التي تواكب المعايير العالمية. لكن بعد 2011، بدأت حالة المعهد بالتدهور، نتيجة نقص الكوادر، وغياب الدعم للصيانة، وتراجع الاهتمام بالاستديوهات والمسارح الصغيرة.
في السنوات الأخيرة، ظهرت مراكز ومدارس فنية خاصة تقدم تدريس التمثيل أكاديمياً، وغالباً ما يشرف على الدروس فيها أساتذة من المعهد العالي أنفسهم، ما جعلها بديلاً للعديد من الراغبين في دراسة هذا الفنّ ولم يُقبلوا في المعهد. إلا أن المشكلة لا تكمن فقط في وجود بدائل خاصة، بل في تحوّل هذه المراكز إلى حلقات مغلقة تتنافس بشكل غير صحي، وتسعى للتقليل من قيمة المراكز الأخرى. فضلاً عن أنّ بعض هذه المراكز تتلقى دعماً كبيراً من جهات مقربة من النظام، وتفرض رسوماً مرتفعة على الطلاب، ما يضمن لهم فرصاً في المجال الفني بفضل هذا الدعم، بينما تبقى المراكز الأصغر على الهامش من دون دعم مالي أو اهتمام.
مؤخراً، أعلن الدكتور سمير الباش قرب إغلاق مدرسة الفن المسرحي في جرمانا بريف دمشق، من دون توضيح الأسباب. ورغم أهمية المدرسة التي خرّجت عدة دفعات من الممثلين الموهوبين، وأصبح البعض منهم طلاباً في المعهد العالي، لكن ضعف الإمكانيات وغياب الدعم المالي الرسمي أو الخاص أدى إلى قرار إغلاقها. وقد أثار هذا القرار استغراب الأوساط الفنية، حيث يُعتبر الباش شخصية مهمة في تدريس التمثيل، وكان سابقاً أستاذاً في المعهد العالي، قبل أن يتركه بسبب مشكلات مع الإدارة.
وتعاني المدرسة إمكانيات محدودة للغاية، إذ لا يتسع مسرحها الصغير لأكثر من أربعين شخصاً. كما أن الدراسة فيها تتطلب اجتياز فحص قبول، مع دفع مبلغ رمزي يُساهم في تمويلها. لكن يبدو أن كل ذلك مهدد بالزوال قريباً بسبب غياب أي دعم حكومي أو رعاية من جهات رسمية أو خاصة. ورغم أن سمعة المدرسة أخذت في الانتشار داخل الأوساط الفنية بشكل كبير، لكن ذلك أثار استياء بعض المراكز الفنية الأخرى، ما دفع الدكتور سمير الباش إلى اتخاذ قرار الانسحاب.
هذه الحادثة تعيد إلى الأذهان تجربة الراحلة مي سكاف التي أسست معهد "تياترو" في دمشق قبل الحرب، بهدف تعليم التمثيل للشباب. ورغم نجاحها في مهمتها ، تعرضت لضغوط كبيرة من النظام حتى اضطرت إلى إغلاق المعهد، إذ استولى النظام على المكان لصالح منظمة "طلائع البعث". كانت هذه التجربة بداية مشوار مي سكاف المناهض للنظام، حيث رأت أن الفن في سوريا يخضع لسيطرة السلطات والمال. وبقي التضييق على سكاف وملاحقتها مستمرين، فخرجت إلى لبنان ثمّ الأردن ثمّ فرنسا عام 2013، وبقيت هناك حتى وفاتها بنوبة قلبية عام 2018.

سينما ودراما
التحديثات الحية

اليوم، ومع تراجع دور المعهد العالي للفنون المسرحية، ظهرت جامعات خاصة ومعاهد لتدريس التمثيل موجهة أساساً إلى أبناء الطبقة الغنية، ما يشير إلى محاولة خصخصة القطاع الفني لصالح رجال الأعمال والشخصيات المقربة من النظام، على حساب المعهد الذي كان في يوم من الأيام مصدراً لأهم نجوم الدراما. في ظل هذا الوضع، يعاني أساتذة المعهد ضعف الرواتب، مما يدفعهم للانتقال إلى التدريس في المراكز الخاصة بحثاً عن مصدر دخل أفضل، بينما يستمر المعهد في فقدان بريقه وتأثيره.
هذا الواقع إن استمرّ على حاله، فإن انعكاسه على مستوى الدراما السورية سيظهر جلياً، نتيجة تراجع المستوى الأكاديمي، وحصره بطبقة معيّنة، قادرة على دفع تكاليف الدروس والتعليم.

المساهمون