صحافيو غزة... التغطية في ميدان من نار

20 أكتوبر 2023
تحديات كثيرة يواجهها الصحافيون في غزة (مؤمن فايز/ Getty)
+ الخط -

يتوزّع جهد الصحافيين الفلسطينيين، العاملين تحت نار العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، ما بين التغطية الميدانية للأحداث المتلاحقة، وما بين توفير اللوازم الأساسية لأسرهم التي تعيش حالة الخطر الشديد، والنزوح العام.

وتخلق الأوضاع الخطيرة، التي نزح خلالها أكثر من مليون غزّي بعد أن فقدوا بيوتهم، وهربًا من الاستهداف الإسرائيلي المُباشر لأرواحهم، حالة من الخوف للصحافيين العاملين على بيوتهم وأسرهم، خاصة بعد المجازر الجماعية، وحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين، والتي أدت إلى استشهاد أكثر من 2800 شخص، وإصابة أكثر من 9200 آخرين بجراح مختلفة.

ويوضح الصحافي الفلسطيني عبد الله التُركماني، الذي يعمل في إحدى الصحف المحلية، أنه اضطر وباقي زملائه إلى إخلاء مقر عملهم، واصطحاب الأجهزة للعمل من المنازل، إلا أنه واجه العديد من الأزمات، المتمثلة في قطع الإنترنت والكهرباء والماء، ومن ثم اضطراره للخروج من بيته مع عائلته بفعل التهديدات الإسرائيلية باستهداف منازل قريبة. وقد تنقل عدة مرات، إلى أن غادر مدينة غزة بعد مُطالبة الجيش الإسرائيلي جميعَ المدنيين بإخلاء المدينة، من شمال القطاع حتى جنوب وادي غزة.

ويضيف التركماني: "رغم النزوح الأخير، إلا أننا لم نجد أياً من مقومات العمل الإعلامي، باستثناء شبكة إنترنت بسيطة وضعيفة، أتمكن من خلالها مُتابعة بعض الأنشطة الإعلامية البسيطة، التي لا ترتقي إلى حجم الأحداث الخطيرة، وأحاول في الوقت ذاته توفير الأمان لأسرتي وعائلتي، وتوفير المستلزمات الأساسية".

ويوضح التركماني لـ"العربي الجديد" أن الأوضاع التي يعيشها برفقة عائلته لا تتواءم مع أجواء العمل، ويضيف "أشتري الماء من البقالة لعدم توفر ماء الشرب، وأملأ ماء الاستخدام اليومي من مسجد قريب، وأعتمد على انترنت محدود للغاية، لا يُمكّنني من متابعة المواقع الإخبارية، أو مواصلة عملي بشكل طبيعي، وقد بتنا كصحافيين مُنقطعين حتى عن معرفة الأخبار التي نتلقاها مثل باقي الناس، بعد أن كنا نُصدرها للجميع".

ويُبين أنه لا يتمكن حاليا من إعداد الأخبار، أو حتى نشر التقارير المُرفقة بالصور بسبب انقطاع الإنترنت والكهرباء، كذلك انعدام الأمان، ومقومات الحياة الأساسية له ولأُسرته، موضحًا أنه يُحاول الموائمة قدر المُستطاع بين عمله البسيط للغاية، ومُتطلبات أسرته التي نزحت مع باقي العائلات من دون اصطحاب المُقومات الأساسية والضرورية.

وتتجمع الأزمات في وجه الصحافيين العاملين ميدانيًا في ظل العدوان الإسرائيلي، فإلى جانب الاستهداف المُباشر للصحافيين ومقارهم، وقطع إمدادات الكهرباء والإنترنت التي تضمن إتمام عملهم، تواجههم تحديات إضافية، تتمثل في نقص مقومات الحياة كافة.

أما الصحافي باسل أبو حسان، فيقول إنه يعمل ميدانيًا تحت ضغوط شديدة، متوزعة ما بين الأحداث العامة التي يشهدها قطاع غزة والمدنيين فيه، وما بين أسرته التي تُجهز حقائبها، وأوراقها الرسمية، وتضعها إلى جانب الباب الرئيسي للبيت استعدادًا للنزوح في أي طارئ، على الرُغم من وجود بيته إلى جانب مدرسة خاصة بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، إذ باتت غزة بأسرها غير آمنة.

ويُحاول أبو حسان، وفق حديثه إلى "العربي الجديد"، الموازنة بين توفير أدنى مقومات الحياة اللازمة لأُسرته، في ظل انقطاع كافة الاحتياجات الأساسية من الأسواق، وإغلاق وتدمير أجزاء واسعة من المحال التجارية، وبين المُداومة على نقل صورة ما يجري في قطاع غزة، من داخل الخيمة المُخصصة للصحافيين داخل مجمع الشفاء الطبي.

ويلفت أبو حسان إلى أن حالة النزاع التي يعيشها الصحافي الفلسطيني في قطاع غزة، ما بين عمله وتوفير احتياجات أسرته التي تقع داخل دائرة الخطر المُحدق، تضعه في حالة قاسية من التوتر والضغط النفسي، ما يؤثر على سير التغطية الصحافية، خاصة في ظل انقطاع إمدادات الكهرباء والإنترنت.

وتقول الصحافية الفلسطينية صفاء الحسنات إن شراسة العدوان على قطاع غزة أصاب التغطية الإعلامية بالضُعف، وقِلة المُراسلين، بسبب الخطورة الشديدة للأوضاع، واستهداف الاحتلال للصحافيين ومنازلهم وأسرهم، منعًا لتصدير حقيقة جرائم الحرب التي يرتكبها بحق المدنيين وعائلاتهم.

تلفت الحسنات، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن الصحافيين باتوا بين نارين، الأولى هي نار توثيق الأحداث في ظل انعدام كل المقومات المطلوبة لعملية التغطية، والثانية نار الخوف على العائلة، والقدرة على توفير مُتطلباتها: "انتابت عائلتي حالة هستيريا وعدم شعور بالأمان، خاصة أنهم يواجهون الحرب للمرة الأولى من دون والدهم المتوفى". ‏

وتقول الحسنات: "رغم كافة الأوضاع الميدانية الصعبة والمأساوية، إلا أننا نمتلك التحدي لنقل الصورة التي يجب أن تُظهِر للعالم بشاعة ما يحدث بحق المدنيين، فأنا اضطررت لوضع أبنائي داخل أحد المُستشفيات، لأتمكن من تصوير حالة النزوح العام للأُسر الفلسطينية التي اضطرت لمُغادرة بيوتها خوفًا من الموت الجَماعي (..) واجهت صعوبات كثيرة لتصدير مقاطع الفيديو بفعل انقطاع الكهرباء والإنترنت، إلا أنني نشرت أجزاء منها، وسأواصل النشر".‏

المساهمون