صحافيو تونس يعيشون أسوأ أيامهم: 257 اعتداء خلال عام

03 مايو 2023
خلال الوقفة اليوم الأربعاء (النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين/فيسبوك)
+ الخط -

يحل اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام في ظل ارتفاع غير مسبوق في عدد الاعتداءات على الصحافيين التونسيين وجرّهم إلى مراكز الأبحاث والمحاكم، كما هو الشأن بالنسبة لنقابيين ومدونين وناشطين، وذلك بتتبعات قضائية "لم تحترم الحد الأدنى من الإجراءات القانونية التي كثيراً ما ناضل الشعب التونسي من أجل تكريسها وتجسيدها، فضلاً عما قدمه من شهداء في سبيل تقدم هذا الوطن وعزته رغم الهزات التي واجهها"، وفقاً للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين.

وكانت قرارات الرئيس قيس سعيّد يوم 25 يوليو/تموز 2021 واستئثاره بكل السلطات الخطوة الأولى في هذا التدهور.

وأظهر التقرير السنوي لحرية الصحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود، اليوم الأربعاء، أنّ تونس كانت من بين الدول التي تراجعت في الترتيب، إذ حلّت في المرتبة 121 بتراجع 27 مركزاً. واعتبرت المنظمة أن تراجع حرية الصحافة في تونس التي يرأسها قيس سعيّد يعود إلى "ازدياد السلطوية في البلاد وعدم التسامح مع انتقادات الصحافة".

وقال نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي، لـ"العربي الجديد"، إن قيس سعيّد "وعلى الرغم من وعوده المتكررة بضمان حرية الصحافة والتعبير والحريات الفردية والجماعية، فإن هذه التصريحات لا تترجم على الأرض، في ظل تضييق على عمل الصحافيين وإقصاء متعمد لهم ومنعهم من الوصول إلى مصادر المعلومة، ما جعل قيامهم بعملهم يكاد يكون مستحيلاً".

وعقدت النقابة، اليوم الأربعاء، ندوة صحافية في مقرها، قدمت خلالها تقريرها السنوي حول حالة حرية الصحافة في تونس، وأفادت بأن الصحافيين التونسيين تعرضوا، بين الأول من مايو/أيار 2022 و30 إبريل/نيسان 2023، لـ257 اعتداء. عام 2018، أي قبل تولي سعيد إدارة البلاد، لم يتعد عدد الاعتداءات الـ162 خلال الفترة نفسها.

هذه الأرقام اعتبرها المتابعون للشأن الإعلامي التونسي مفزعة وتعكس الجو العام الذي يمارس فيه الصحافيون التونسيون عملهم، خاصة إذا علمنا أن هذه الاعتداءات تتمثل في المنع من العمل في 68 حالة، وحجب المعلومات في 49 حالة، والمضايقة أثناء العمل في 42 حالة، والاحتجاز التعسفي في 3 حالات.

وتصدر المشرفون على مكاتب الاقتراع في المواعيد الانتخابية التي شهدتها تونس سنة 2023 المرتبة الأولى في قائمة المعتدين على الصحافيين (61 اعتداء)، يليهم الأمنيون (25 اعتداء). وتركزت الاعتداءات في تونس العاصمة، باعتبارها مركز الثقل الاقتصادي والسياسي، حيث شهدت 48 اعتداء.

الصحافيون التونسيون يعانون أيضاً من أوضاع اجتماعية صعبة، بينها تأخر صرف المستحقات المالية وعمليات الطرد التعسفي في عدد من المؤسسات الإعلامية، فقد سجلت 42 حالة طرد تعسفي السنة الماضية، شملت صحافيين يعملون فى قنوات تلفزيونية مثل "تونسنا" وإذاعات خاصة مثل "كاب أف أم" و"إي أف أم".

ويعانون من تأخر الحصول على امتيازاتهم العينية والنقدية، بسبب الأزمة المالية التي تعيشها جلّ المؤسسات الإعلامية التونسية. موظفو قناة التاسعة مثلاً، وهي مملوكة لعدد من رجال الأعمال التونسيين، يفكرون جدياً في الإضراب العام.

الأخطر الذي تعيشه اليوم الصحافة التونسية هو حالات الإيداع في السجن التي تعرض لها بعض الوجوه الإعلامية، ومن أشهرهم الصحافي ومدير عام إذاعة موزاييك أف أم الخاصة نور الدين بوطار. هذا الصحافي يقبع في السجن منذ 13 فبراير/شباط 2023، وهو ملاحق بموجب قانون الإرهاب ومكافحة غسل الأموال، في حين أكد محاموه أن التهم تتعلق بخط تحرير المحطة الإذاعية التي يمتلك الجزء الأكبر منها والتي تعتبر الأكثر استماعاً في تونس. وأُعلن أمس الثلاثاء، في ندوة صحافية عُقدت في مقر النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، عن تشكيل لجنة مدنية تضم منظمات وشخصيات اعتبارية تونسية لمساندته.

السجون التونسية يقبع فيها أيضاً عدد من المدونين، منهم سليم الجبالي وأشرف بربوش والصحافي لطفي الحيدوري في ما يعرف في البلاد بقضية "إنستاليغو"، وهي شركة مختصة فى صناعة المحتوى والاتصال الرقمي. كما دين صحافيون آخرون، وحكم عليهم بعقوبات سالبة للحرية، ومنهم المقدم التلفزيوني في قناة الزيتونة المغلقة عامر عياد، ومراسل إذاعة موزاييك أف أم خليفة القاسمي.

أما عمليات التحقيق مع الصحافيين التونسيين فقد أصبحت متواترة بشكل كبير، وآخرها التحقيق مع الصحافية منية العرفاوي والصحافي محمد بوغلاب، كما سبق التحقيق مع عدد آخر من الصحافيين، منهم الصحافي نزار بهلول الذي يدير موقع بزنس نيوز. واضطر آخرون إلى مغادرة البلاد تجنباً للملاحقة الأمنية، مثل الصحافية شهرزاد عكاشة.

المؤسسات الإعلامية التونسية التي عملت على الحفاظ على استقلالية خطها التحريري عانت أيضاً من حملات إلكترونية، اعتبرها نقيب الصحافيين التونسيين "ممنهجة الغاية، لإخراس كل صوت حرّ، وترهيب العاملين عبر حملات تهجم وتنمر إلكتروني لم تعرفها تونس من قبل، تتولاها صفحات ذات توجهات سياسية موالية للسلطة القائمة".

وتطرقت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين إلى المرسوم 54 المتعلّق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، والصادر في 13 سبتمبر/ أيلول الماضي. يثير المرسوم مخاوف بشأن استغلاله في استهداف الصحافيين والناشطين الحقوقيين عبر منصات التواصل الاجتماعي، فالفصل 24 منه ينص على عقوبة السجن لمدة خمسة أعوام وبغرامة مالية تصل إلى أكثر من 15 ألف دولار، "لكلّ من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال، لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذباً للغير، بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني". وتُضاعف العقوبة إذا كان المتضرر موظّفاً أو مسؤولاً في الدولة. وينص الفصل التاسع منه على أنه يمكن "لوكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق أو مأموري الضابطة العدلية المأذونين في ذلك كتابياً أن يأمروا بتمكينهم من البيانات المعلوماتية المخزّنة بنظام، أو حامل معلوماتي، أو المتعلّقة بحركة اتصالات، أو بمستعمليها، أو غيرها من البيانات التي من شأنها أن تساعد على كشف الحقيقة". أعطى هذا التفصيل مجالاً واسعاً للشرطة العدليّة بمعاينة المعطيات التي أُلزم مزوّدو خدمات الاتصالات (ISPs) بتخزينها لمدة غير محددة، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول حماية البيانات وخصوصية المواطنين الرقمية. كما يهدّد هذا الفصل حق الصحافيين في سرية المصادر، المنصوص عليها في صلب الفصل 11 من المرسوم عدد 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر.

وفي السياق نفسه، نظم الصحافيون التونسيون، اليوم الأربعاء، في مقر نقابتهم وقفة احتجاجية، رفعوا فيها شعارات بينها: "الصحافة ليست جريمة"، و"لا تراجع عن حرية الصحافة"، و"أبواب مغلقة على الصحافة... زنازين موصدة على العقول"، و"لا لتقييد الصحافيين... لا لمحاربة الصحافة"، و"لا لمرسوم القمع".

المساهمون