صحافيو السودان: احتجاجات لا تنتهي

15 سبتمبر 2021
صحافيون سودانيون يحتجون أمام وزارة الإعلام عام 2019 (فرانس برس)
+ الخط -

مع اتّساع هامش الحرية الصحافية، بعد عامين على نجاح الثورة في العام 2019، يواصل الصحافيون السودانيون رحلة كفاحهم واحتجاجاتهم، لتثبيت ركائز الحرية تلك، وانتزاع ما تبقى من حقوق. آخر تجليات تلك الاحتجاجات موقفهم الصارم، في الأسابيع الماضية، تجاه الاعتداء على زميلهم الصحافي علي الدالي من قبل عناصر تابعة للاستخبارات العسكرية، حيث قرر الصحافيون بالإجماع مقاطعة أخبارالجيش كلياً لمدة 3 أيام، مع تنفيذ وقفة احتجاجية أمام مجلس الصحافة والمطبوعات وأخرى أمام مجلس الوزراء، مطالبين بضمانات أكبر لحماية الصحافيين في المستقبل. وتأخذ احتجاجات الصحافيين حالياً أشكالاً أخرى، منها مساندة زملائهم الذين تعرضوا لملاحقات قضائية، مثل ما حدث مع الصحافية سعدية الصديق، التي ألقت نيابة المعلوماتية القبض عليها عطفاً على نشرها موضوعاً بصحيفة "التيار"، وكذلك ما حدث للصحافي بصحيفة "الحداثة" راشد عبد الوهاب، الذي ألقت نيابة الصحافة والمطبوعات القبض عليه في بلاغ جنائي من شرطة ولاية الخرطوم بعد تغطيته لموكب احتجاجي في المدينة. 

ولم تتوقف الاحتجاجات على حجب المعلومات عن الصحافة عن قصد أو بدون قصد. ويقول كثير من الصحافيين السودانيين إنه كثيراً ما تُغلق الأبواب في وجوههم، وأن بعض المسؤولين يصرحون لقنوات وصحف أجنبية أكثر من الحديث لوسائل الإعلام المحلية، ويشددون على تعديل التشريعات بما يلزم كل المسؤولين بتمكين الصحافيين من الحصول على المعلومات، إلا تلك المصنفة بالسرية بموجب قانون. وأصدرت عدة أجسام صحافية بيانات حذرت فيها من عودة الممارسات ذاتها التي كان يقوم بها النظام السابق، كما أعلنت رفضها لقانون المعلوماتية الموروث من النظام السابق والذي "يكرس للقمع، ويعمل على إسكات الصحافيين، ومنع حرية التعبير"، طبقاً لبيان صادرعن شبكة الصحافيين السودانيين.

قناة "أم درمان" المملوكة لحسين خوجلي المحسوب على النظام السابق، عبرت عن احتجاجها بطريقة مختلفة، حينما توقفت عن البث وأغلقت أبوابها، مشيرةً في بيان لها، الأسبوع الماضي، إلى أن المناخ السياسي والاقتصادي والإعلامي في السودان ما عاد يسمح بالعمل الإعلامي، وأوضحت أنها "ظلت تعاني منذ 3 سنوات من مقاطعة رسمية في مجال الإعلان والرعاية وخدمات الإنتاج من خصوم يجيدون الحديث عن الحريات جهراً ويغتالونها سراً"، على حد ما جاء في بيانها.

وداخل المؤسسات الصحافية نفسها، يدور احتجاج مستمر على تردي بيئة العمل وضعف الأجور، خاصة إذا ما قورنت بالوضع الاقتصادي المتدهور وغلاء أسعار معظم السلع والخدمات. وبرزت أصوات صحافية تنادي بتحسين الأجور وتطوير بيئة العمل على أن يُضمّن ذلك ضمن قانون الصحافة والمطبوعات الذي يجري الإعداد لإجازته.

في السياق، يقول الصحافي عمرو شعبان، السكرتير العام للجنة التمهيدية لنقابة الصحافيين السودانيين، وهو جسم نشأ بعد الثورة، إن الصحافيين تمتعوا بعد الثورة بنسبة كبيرة من الحرية، لكن هناك ممارسات قديمة كان يقوم بها النظام البائد لا تزال مستمرة، مثل تعطيل أعمال الصحافيين، والاعتداء عليهم، والحد من حرياتهم، مع وجود تقاطعات كبيرة في القوانين التي تحكم عمل الصحافة، مثل قانون الصحافة والمطبوعات وقانون المعلوماتية والقانون الجنائي. يضيف شعبان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المناخ الصحافي الحالي يرتبط بشكل أساسي صعوداً وهبوطاً، باستيعاب الجهازالتنفيذي بمكونيه العسكري والمدني لوضع الإعلام وأهمية دوره في المرحلة الانتقالية، وحساسية عدم التدخل في العمل الإعلامي، وتجاوزعقلية التحكم الموروثة من العهد البائد، مشيراً إلى عدم وجود إطار متفق عليه بين الحكومة والمجتمع الصحافي حول تعريف الأمن القومي، وهي واحدة من الإشكالات الحالية التي يتم توظيفها في بعض الأحيان من قبل السلطة. ولا يستبعد شعبان عودة الصدام بين الحكومة والصحافيين في أي لحظة، إذا ما تصاعدت وتيرة محاولات تعطيل الصحافة وملاحقة الصحافيبن وتجاوز دورهم في عكس قيم الثورة ومراقبة الحكومة إذا تجاوزت قيم الثورة، كما يحذّر من بروز الصدام والعودة لكل أشكال الاحتجاجات، بما في ذلك التظاهر والوقفات الاحتجاجية، والإضراب عن العمل، وحتى الإضراب عن الطعام، إذا استمر تدخل الحكومة ولجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو/ حزيران في العمل النقابي، استناداً إلى قانون الاتحادات المهنية 2004 المعيب.

أما الصحافي وليد النور، فيرى أن حرية الصحافة في السودان تمر بأفضل حالاتها بعد نجاح الثورة السودانية، مستشهداً بعدم صدور قرار حكومي مطلقاً بتوقيف أو مصادرة أي مؤسسة صحافية، أو حظر النشر في أي من القضايا مهما كانت درجة حساسيتها، مبيناً أن المناخ الحالي مؤاتٍ تماماً لممارسة مهنية مستقلة، وأن ما ينقص ذلك هو توفيرالمعلومات لتمارس الصحافة مهمتها في عكس الواقع والتوعية والمراقبة، كما أكد أن الصحافيين السودانيين قادرون على التعبير عن أنفسهم والدفاع عن حقوقهم بكل السبل متى ما تطلب الأمر. وينبّه النور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى وجود حاجة ملحة لتجويد الأداء بزيادة جرعات التدريب للصحافيين وتبادل الخبرات، والالتزام أكثر بكل القيم المهنية، وتطويرالمؤسسات الصحافية، حتى يكتمل دورالصحافة. كما أشار إلى إنشغالات أخرى للصحافيين، من بينها واقع الأجورالضعيفة وهضم حقوقهم وعدم وجود تأمين صحي، وفي بعض المؤسسات عدم وجود تأمين اجتماعي، رافضاً بشدة مزاعم وجود تضييق إعلاني على وسائل الإعلام.

أما رئيس تحرير صحيفة "آخر لحظة" السابق أسامة عبد الماجد، فيشير من جانبه إلى أن المحك الحقيقي الذي تواجهه الصحافة هو تجاهلها من الجانب الحكومي وعدم الالتفات لما تكتب ولما تؤشر إليه من مواطن خلل، لافتاً إلى أن ذلك يحدث رغم الحديث المتكرر للمسؤولين الحكوميين، بمن فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، عن أهمية الإعلام في الفترة الحالية. ويضيف عبد الماجد، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن تعدد مراكز القرار في الحكومة في حد ذاته يقف كمشكلة من المشكلات التي تواجهها الصحافة والإعلام عامة، حيث يظهرتضارب كبير في معلوماتها. كما يؤكد عبد الماجد وجود إقصاء ناعم للكتاب والصحافيين المحسوبين على النظام السابق الذين غابوا أو غيبوا خلف الكواليس عن المشهد الصحافي كلياً، مرجحاً أن سبب ذلك يعود إلى أن إدارات الصحف الحالية أو بعض منها لا تريد الدخول في حرج مع مؤسسات الدولة في الوقت الراهن.

المساهمون