يعمل عدد كبير من الصحافيين في سورية بأسماء مستعارة خوفاً من تعرضهم للاعتقال وحفاظاً على حياتهم وحياة أسرهم، خصوصاً بعد توسيع النظام لنطاق قمعه، ليطاول حتى الصحافيين الموالين له. وتشديد الجماعات المسلّحة الخناق على العاملين في مناطقها.
لكن في المقابل لا يخلو العمل بأسماء مستعارة من مخاطر، إذ تعرَّض العديد منهم إلى الفصل من العمل وسرقة مستحقاتهم، إلى جانب اضطرارهم للعمل بأجور متدنية لتأمين احتياجات عائلاتهم في ظل وضع معيشي واقتصادي متردٍّ.
وفي حين يعمل مئات الصحافيين بأسماء مستعارة، ومن دون عقود عمل ثابتة تضمن لهم حقوقهم، فإنّ ظروفهم وظروف ممارستهم للمهنة تختلف باختلاف أماكن تواجدهم: في مناطق سيطرة النظام، أو المعارضة أو مناطق الحكم الذتي، إذ يعمل كلّ طرف سياسي على فرض أجندته والطريقة التي يجدها مناسبة لأداء الصحافيين عملهم.
فصل نهائي
بعد عمله لستة أشهر في وكالة "نورث برس" في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية فُصل خالد دهني (41 عاماً) وهو اسم مستعار لصحافي مقيم في دمشق. يقول لـ "العربي الجديد" إنه عمل مع الوكالة "من دون عقد وبالاتفاق فقط على راتب شهري مقابل كمية محددة من الأخبار والتقارير اليومية". ويوضح أنّه في الشهر السادس لعمله وتحديداً في العشرين منه وصلت إليه رسالة عبر "واتساب" من إدارة الوكالة تبلّغه فيها بإيقافه عن العمل بحجة أنّ "لا قيمة مضافة للعمل الذي أقدّمه". لكن الأمور لم تقف هنا. بل عندما طالب بالبدل المادي لعمله 20 يوماً في الشهر، قررت الإدارة عدم صرفها من دون أي توضيح.
تخفيض الأجر
لكنّ الفصل من العمل من دون إنذار ولا تعويض ليس الضريبة الوحيدة التي يدفعها الصحافي العامل باسم مستعار في سورية. يروي الصحافي سمير عبد الله (47 عاماً)، وهو أيضاً اسم مستعار، أنه عمل داخل مناطق سيطرة النظام السوري مع وكالة أنباء دولية، فكان يزوّدها بشكل مستمرّ بالصور والتقارير، وفق التكليفات التي تصل إليه، ويوضح: "عملت مع الوكالة من دون عقد وبعد أشهر من العمل خيرتني المؤسسة نفسها بين ترك العمل أو تخفيض قيمة استكتابي لديها إلى النصف". ويضيف: "فضلت البقاء في العمل مع دخل قليل على أن أبقى بلا عمل".
يرفض عبد الله ذكر اسم الوكالة خوفاً من تعرضه للفصل من عمله. لكنه يوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أنَّه يتقاضى مستحقاته كلّ ثلاثة أشهر، وأحياناً أخرى تتجاوز الفترة تلك المدة، وقد تصل الأمور في بعض الأحيان لاضطراره لتذكير الوكالة عشرات المرات بإرسال البدل المادي.
التحويل المالي إلى سورية
عملت نور محمد (اسم مستعار كذلك) مع موقع أجنبي من داخل مدينتها حمص مدة 4 أشهر "وخلالها أنجزت خمسة تقارير مطوّلة ومعمّقة، بعدما اتفقنا على مبلغ هو 75 دولاراً أميركياً عن كلّ تقرير". وبعد تسليم التقارير الخمسة، طالبت نور بمستحقاتها من المؤسسة، لكنّ مشكلة التحويل إلى الداخل السوري كانت العقدة: "ثمّ قالت لي الإدارة إنّ هناك مشكلة في حساب الشركة المصرفي، ويعملون على حلّها، ومع مرور الوقت والأشهر بدأت أشعر أنني أتسول حقي".
وبعد فترة طويلة من العناء قررت إدارة الموقع تخفيض بدل التقرير من 75 دولاراً كما كان الاتفاق الأولي إلى 45 دولاراً بحجة أن الموقع توقف عن العمل وأنَّ إدارته تصفي حقوق جميع المتعاونين معه، ما اضطرهم لتخفيض المبالغ للجميع بهدف تخفيض الميزانية النهائية، وكأنّنا أمام "دكانة بيع سلع تقايض على السعر" تقول محمد في حديثها مع "العربي الجديد".
كلّ هذه المشاكل تأتي في وقت يعاني أغلب الصحافيين في سورية من أوضاع معيشية صعبة، وخطر متواصل على حياتهم، بغضّ النظر عن مكان عملهم أو ولاءاتهم السياسية، إذ تتصارع مختلف الجهات على قمع الصحافة وتدجين الصحافيين. ولا تزال سورية تُحافظ على المراتب الأخيرة في مؤشرات حرية الصحافة على المستوى العالمي، رغم تكرار جميع الأطراف شعارات رنانة عن "الصحافة وحريتها وأهميتها لنقل الواقع وتسليط الضوء عليه".
كذلك تصنّف المنظمات الحقوقية حول العالم سورية، كواحدة من أخطر الدول على الصحافيين، إذ قُتل فيها 748 صحافياً منذ عام 2011، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وهو الرقم الذي قد يكون أعلى بكثير في ظل انقطاع أخبار عشرات الصحافيين نتيجة الإخفاء القسري والاختطاف من دون معرفة مصيرهم حتى اليوم.