صالح بكري في "أزرق القفطان": بهاء الأداء

05 يونيو 2023
صالح بكري ولبنى أزابال في "أزرق القفطان" للمغربية مريم التوزاني (الملف الصحافي)
+ الخط -

متأخّراً، أشاهد "أزرق القفطان" (2022)، للمغربيّة مريم التوزاني. قراءات نقدية عدّة تناقش وتُفكّك وتُحلِّل. هذا غير مفاجئ، فالفيلم يُغري بقراءات/كتابات كهذه، لما فيه من صُور وتفاصيل وأداء وسردٍ. أكتفي بالأداء، خاصة أداء الفلسطيني صالح بكري. فيلماً تلو آخر، في السينما الفلسطينية وخارجها، يُقدّم بكري شيئاً من جمالية تمثيل، غير مرتبط (التمثيل) بفعلٍ واحد، أو بحركة ثابتة، أو بتلقينٍ أكاديمي يمنح الممثل، عادة، مفردات حِرفية تحتاج (المفردات والحِرفية معاً) إلى الأعمق والأبهى منها، وهذا يحصل بتمرينٍ على ابتكار جديدٍ، وببحثٍ عن إضافةٍ، يُفترض بكلّ ممثل الاشتغال عليهما.

مع بكري، في "أزرق القفطان"، شيءٌ من سحرٍ يصنعه الممثل في سياق دراميّ، يروي حكاية زوجٍ مُثقل بهموم وهواجس ورغبات، لكنّ ارتباطه بالزوجة متين، فللحبّ، رغم كلّ شيء، دور في ذلك. حليم (بكري) خيّاط يصنع جمالاً في تصميم زيّ تقليدي مغربي (القفطان) وحياكته. يعاني مأزق انفضاض الناس عن زيّ كهذا. الفقر طاغ، لكنّ نوعاً من "صفاءٍ" (لعلّه مبطّن) يسود علاقته بزوجته مينة (لبنى أزابال). يحاولان معاً عيش حياة هادئة. زياراته مُكرّرة إلى الحمّام، فهناك يُلبّي حاجة فيه إلى علاقة مثليّة، تكتشفها مينة، من دون ردّ فعلٍ سلبيّ تجاهها. يأتي يوسف (أيوب ميسوي) إلى محلّ الخياطة للعمل. شيءٌ ما ينشأ بينه وبين حليم. لكنّ الأهمّ كامنٌ في العلاقة الثلاثية، ذات البناء العائلي، والتواصل الشفّاف، بعد صدامٍ يحصل بين مينة ويوسف.

 

 

تحليل النص السينمائي، بمضمونه وفضائه واشتغالاته الفنية والجمالية، حاصلٌ مراراً. أداء صالح بكري مُثير لكتابةٍ، تتمرّن على فهم كيفية اختراع جديدٍ في أدائه. قبل وقت، أكتب عن اشتغالات سينمائية له خارج السينما الفلسطينية ("العربي الجديد"، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2022)، تحديداً في فيلمين لبنانيين: "كوستا برافا" (2021) لمونية عقل، و"بيروت هولدم" (2022) لميشال كمّون.

في "أزرق القفطان"، يتحرّر بكري من كلّ كلام، متكئاً على الصمت، أي على الحركة والتعبير الجسدي ونظرة العينين واشتغالات اليدين. يجعل هذا كلّه لغةً يُتقن إيصال تعابيرها، كمن ينطقها. يستعين بشيءٍ منها لقول أو بوح، ثم يختار شيئاً آخر لقول أو بوح آخرين. غير محتاج إلى كلمات وجمل، بل إلى نظرة وحركة، وهاتان كافيتان لتأكيد معنى حِرفية التمثيل، المتمكّن (التمثيل) من سرد حكاية، والتعبير عن انفعال ورغبة بصمتٍ شبه كامل.

حياكة حليم للقفطان مترافقةٌ وحياكة سيرته الحياتية والانفعالية والتأمّلية. يمسك القماش كمن يروي ذاته. هذا حاصلٌ بفضل أداءٍ مبنيّ على هدوء تام وسكينة كاملة ظاهرياً، رغم أنّ في التعابير الصامتة لحليم ما يشي بغليان داخلي يخفيه صالح بكري في ذاته وروحه، من دون أنْ يحول دون تبيانه تدريجياً.

المساهمون