لا يوجد فيلم جيّد من دون سيناريو جيّد. السيناريو الدموي موجود، ويجري أمام أعين العالم في غزّة. سيناريو واقعي لا متخيّل. يقول دوستويفسكي: "الواقعية شيء فظيع". الواقع في غزّة أفظع، والأخطر أنّ السيناريو قابل للإعادة والاستنساخ في المستقبل القريب.
هذا سيناريو فيلم وثائقي، يعرض صُوَر ما جرى في غزّة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتركَّب عليها تعليقات زعماء الأمم المتحضّرة، المؤيدة للمذبحة.
الحدث جريمة بصرية قابلة للأفلمة. المحتوى صُوَر وتعليقات وتصريحات، وخصوصاً تلك التي عبّر عنها "الزعيم الإسرائيلي التاريخي" جو بايدن.
منظور صلصة الإخراج: سيتمّ تركيب تصريحات على صُوَر من فترة القتال، والهدنة التي سمحت بفحص النتيجة من قرب. يتبنّى الفيلم مونتاجاً جدلياً، يجعل اللقطات تنفي الكلمات. هناك مسافة بين مكيال الصُوَر ومكيال الكلام. مرحباً بالصُّوَر الواقعية التي تفقأ العين، وتبطل التعليقات المضلّلة. سيتمّ انتقاء صُوَر تكثّف المعنى، كي لا يتشتّت.
*********
مشهد مُكرّر. نهار وليل متّصلان. خارجي.
صورة: آلاف القتلى الفلسطينيين. التعليق في 10/ 10/ 2023. بايدن يدعم ردّاً حاسماً لإسرائيل على غزّة. بعد شهر، في 9/ 11/ 2023، يعلّق بايدن: "لا توجد فرصة لوقف إطلاق النار في قطاع غزّة".
صورة: جَدّ يحمل جثة حفيده. التعليق: هل تدين "حماس"؟ (يُقيم المعلّق بعيداً عن خط النار مسافة 20 ألف كلم).
صورة: حفرة كبيرة في موقع عمارة. جثث ومقابر جماعية. التعليق: الرئيس الأميركي، الناطق باسم إسرائيل، يشكّك في أرقام القتلى التي تعلنها "حماس".
صورة: طوابير نساء يتّجهن إلى جنوب غزّة. التعليق: بايدن يتحدّث مع عبد الفتّاح السيسي عن "سيناريو التهجير" في غزّة.
صورة: جثث مئات الأطفال. تعليق: الأمم المتحدة: قطاع غزّة أصبح "مقبرة" لآلاف الأطفال. تعليق 2: بايدن يقول: "هذا دفاع إسرائيل عن النفس".
صورة: غوّاصة نووية أميركية تصل إلى الشرق الأوسط لهزم "حماس". بايدن يرفض وقف إطلاق النار في غزّة. التعليق: معلّقون ساميّون يتحدّثون عن "حماس" الفلسطينية الساميّة، ثم يتّهمون خصومهم باللاساميّة. الساميّون لا ينطقون الحاء خاء.
صورة: انفجار قنابل في غزّة. انفجار شُهب صناعية في باريس. التعليق: إيمانويل ماكرون يقول: "يجمعنا الحداد مع إسرائيل".
صورة: طفلة تحت الأنقاض، يظهر نصف رأسها فقط. التعليق: ماكرون يطالب بهدنة إنسانية.
صورة: جثت متحلّلة ومجهولة الهوية تتكدّس في ثلاجات الـ"آيس كريم" في غزّة. التعليق: يستخدم الإرهابيون الثلّاجات ليخفوا القنابل في أكفان.
صورة: دفن 128 جثة في مقبرة واحدة. التعليق: إيلون ماسك يؤكّد، في لقائه نتنياهو، أنّ إسرائيل تحاول، تحاول، تجنّب قتل المدنيين (ماسك الحكيم يحذف كلّ منشوراته السابقة عن إسرائيل).
صورة: يحيى السنوار. التعليق: سؤال صحافية لوزير خارجية عربي: "هل يمكن أنْ تقول لنا على المُباشر أين يختفي يحيى السنوار؟". جواب الوزير: "هذه معلومات لا علاقة لها بما نقوم به".
صورة: خبر عن 10 آلاف قتيل فلسطيني. التعليق: بايدن يدين أحداث غزّة، ويصفها بالاعتداء المروّع على إسرائيل.
صورة: حاملة الطائرات الأميركية جورج واشنطن في طريقها إلى الخليج. التعليق: بايدن يحذّر إسرائيل من احتلال غزّة قبل وصول حاملات الطائرات.
صورة: خراب في الشوارع، وثلاّجة محطّمة، وشبّان في الطرقات يُشعلون ناراً في موقد عشوائي لمقاومة البرد في غزّة. التعليق من جريدة "نيويورك تايمز" على الصورة: "المسؤولون الإسرائيليون يواجهون تحدّيات". لكم أنْ تتخيّلوا كمية تجهيزات الرفاهية في المكاتب التي يعمل فيها المسؤولون الإسرائيليون.
صورة: طوفان صُوَر خراب في العمران والأرواح والأجساد والمستشفيات. التعليق: وسائل الإعلام الغربية تطالب إسرائيل بضبط النفس.
صورة: جثث في "مستشفى الشفاء". التعليق: "زعيم إسرائيل" جو بايدن يدعو إسرائيل إلى "حماية" "مستشفى الشفاء" في غزّة.
صورة: قصف "مستشفى الشفاء"، حيث تُتَّهَم "حماس" بحفر أنفاق. التعليق: أنا، إيهود باراك، أعلن أنّ إسرائيل بَنَت الملاجئ، وحفرت الأنفاق الموجودة تحت "مستشفى الشفاء" قبل 40 سنة.
تمتلك وسائل الإعلام ذاكرة سمكة، ويملك الجنرالات ذاكرة فيل حين يتقاعدون. هم يُدركون أنّ السيناريو الذي حصل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 قابل للإعادة والاستنساخ، إنْ حصل الفلسطينيون على دولة مستقلّة.
صورة: بيدرو سانشيز وألكسندر دي كرو مع محمود عباس. التعليق: من وسائل إعلام غربية. رئيسا وزراء إسبانيا وبلجيكا يدعمان الإرهاب الفلسطيني. واضحٌ أنّ الكتلة الغربية المساندة لإسرائيل تتشقّق. حين يُضاف إلى هذا أنّ تزايد عدد المهاجرين العرب والمسلمين في الغرب يمكّنهم من إسماع صوتهم، فالنتيجة أنْ توجّه الصراع في فلسطين سيتغيّر في المستقبل.
*********
في هذا الفيلم، ستُركَّب التصريحات على الصُّوَر، بحيث يظهر بُطلان أحدهما: مونتاج جدلي، يجمع الصورة التي تحمل الحقيقة، في مواجهة تعليقات ببغائية تضع العربة أمام الحصان، وتطلب منه جرّها. لا جدوى من فنّ الالتفاف على الحقيقة. يُمكن لتصريح أنْ يكذّب تصريحاً. يُمكن لبلاغ رقم 2 أنْ يفنّد البلاغ رقم 1. لا يُمكن لعشرة بلاغات نفي صورة.
يتأسّس هذا الفيلم الوثائقي القصير على أنّه، مهما كان تدجين البشر إعلامياً مُزمناً، سيصدّقون عيونهم أكثر من تصديق آذانهم.