سيرتان سينمائيتان لبرنارد مادوف: بساطة اشتغال مقابل انغماسٍ جمالي بالمرأة

19 ابريل 2021
روبيرت دي نيرو مروِّجاً لـ"ساحر الأكاذيب" في 14 يناير 2017 (فريديريك إم براون/ Getty)
+ الخط -

تُحيل وفاة برنارد مادوف (1938 ـ 2021) إلى فيلمين اثنين، يتناول أحدهما سيرته، ويتابع ثانيهما مسار عيشٍ مُرتبك لزوجته. في الأول، "ساحر الأكاذيب (The Wizard Of Lies)"، لباري ليفنسن (2017، إنتاج HBO)، يُقدّم روبيرت دي نيرو شخصية أسوأ محتال ماليّ في تاريخ أميركا، من دون جهدٍ كبير، فالحِرفية الأدائية أساس تمثيلٍ، يُتيح للممثل التمكّن من إخفاء معالم الفرق بين الشخصية والرجل الذي يؤدّيها. في الثاني، "ياسمين أزرق" (2013) لوودي آلن، تغوص كايت بلانشيت في أهوالٍ تُصيب امرأةً، تعتاد عيشاً مرفّهاً في عائلةٍ، تظنّ المرأة أنّها مُحبّة ومتماسكة، قبل سقوط كلّ شيء في أكبر عملية نهبٍ يتعرّض لها أميركيون.

الأهوال نفسها تعيشها ميشيل بفايفر، مُقدّمةً إياها بحِرفية صائغٍ يُدقِّق في التفاصيل، كي يصنع تُحفةً. بينما ألك بالدوين يتحرّر كلّياً من سطوة برنارد "برني" مادوف، منتقلاً إلى شبيهٍ له يُدعى هال فرنسيس، ينتحر في سجنه بعد وقتٍ على إيداعه فيه بتهمة الاحتيال، ما يُخفِّف عنه وهج الفضيحة، بعد 5 أعوام فقط على انكشافها، وإلقاء القبض على مادوف (12 ديسمبر/ كانون الأول 2008)، ثم إصدار حكم بسجنه 150 عاماً (29 يونيو/ حزيران 2009).

وودي آلن غير مهتمّ كثيراً بالفضيحة ومرتكبها، في فيلمه هذا. يلجأ إلى "عربة تُدعى اللذّة" (1947)، لتينيسي ويليامز، التي يقتبسها إيليا كازان، في فيلمٍ سينمائي (1951) بالعنوان نفسه. يستوحي آلن من مادوف ملامح يصبغ بها رجل الأعمال فرنسيس، فآلن معنيٌّ بالمرأة، الطالعة من قسوة الصدمة، والمُقيمة في خرابٍ تريد خلاصاً منه.

 

 

روث مادوف تنوء تحت وطأة الحاصل، والحاصل بشع وقاسٍ ومخيف. ميشيل بفايفر تخترق معالمها وروحها وانغلاقها على ذاتها بعد الفضيحة، وفي مسام ضياعها وانقلاب الأقدار عليها، صانعةً من هذا كلّه، بالاتّكاء على حِرفيتها المهنية، شخصية مضطربة وقلقة، مع التباسٍ كبيرٍ في حقيقة علاقتها بالفضيحة، وبزوجها، وبالاحتيال. باري ليفنسن يكتفي بسرد وقائع، مستعيناً بعلم النفس لمنح روث في "ساحر الأكاذيب"، استناداً إلى معطيات عملية، شيئاً من سطوة الالتباس، الذي يدفعها إلى عيشٍ أسوأ تجربة في حياتها: سقوط زوجها مدوٍّ. حياتها كذبة، وانقشاع اللحظة عن مساوئها يُصيب المرأة بأضرارٍ كثيرة. أوهام تعيشها روث كحقائق ووقائع، قبل انقشاع كلّ شيء، فإذا بحياتها خدعة، كخِدَع زوجها في مهنته.

ألك بالدوين غير حاضر بكثافة حضور روبيرت دي نيرو. في "ياسمين أزرق"، يرتبط حيّز بالدوين أصلاً بالفضيحة وتداعياتها، فالفيلم (سيناريو وودي آلن) معنيّ بالمرأة وخرابها الحادّ. في "ساحر الأكاذيب"، كلّ شيء مرتبط بمادوف، ما يُثقل على روبيرت دي نيرو، المتمكّن، جمالياً، من تحمّل ثقل الشخصية في الوجدان الأميركي. تمزّقات العائلة بعد الفضيحة غير مؤثّرة فيه، لانهماكه بتأكيد صحّة اشتغاله، بدلاً من الاعتراف باحتياله القاتل، إذْ يُقدَّر المبلغ المنهوب من الناس بـ65 مليار دولار أميركي.

إنْ يذهب وودي آلن إلى المرأة بحثاً في مسامها عن ورطة الأكاذيب المحيظة بها والمُقيمة فيها، وعن خرابها المدفون في ذاتها وروحها؛ فإنّ باري ليفنسن يميل إلى صوغ سينمائيّ عادي لسيرة حافلة بالخداع والهوس بجمع المال.

المساهمون