"سيرا" في الـ"برليناله الـ73": جائزة الجمهور لا تُلغي سذاجة طرح ومُعالجة

10 مارس 2023
"سيرا": قضايا مهمّة في معالجة سينمائية سطحية (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

يُعتَبر "سيرا"، لأبولّين تْرَوُري (بوركينا فاسو، 1976)، من النماذج الفاضحة في كيفية تلبية مُتطلّبات الإنتاج الدولي وإملاءاته وشروطه، ومُراعاة أسواق التوزيع، الأوروبية أساساً. وقبل ذلك، ضمان البرمجة في المهرجانات الدولية، المُحبِّذة لأفلامٍ مقبلة من بلدان مُختلفة في كلّ شيء. يزيد من فرص "سيرا"، أكثر، أنّه يحمل اسم مخرجة، ويطرح قضية امرأة مُتفتّحة ومُكافحة ومُتمرّدة، ويتناول أوضاعاً تُكبّلها وطموحاتها، في مُجتمع تحكمه عادات وتقاليد بالية.

المُثير للسخرية أنّ حبكات كهذه، مُستهلكة ومُهلهلة، تُبرَز، وتُؤكِّد غالباً أنّ وراءها رؤية ساذجة جداً، وطروحات أسيرة لأنماط وقوالب مطلوبة بحدّ ذاتها، لا العكس.

من الأفلام الـ35 المُتنافسة في "بانوراما"، أحد أهمّ وأكبر أقسام "مهرجان برلين السينمائي"، فاز "سيرا" بجائزته، في الدورة الـ73 (16 ـ 26 فبراير/شباط 2023)، الممنوحة بناء على تصويت الجمهور الألماني لأفضل فيلمٍ روائي طويل. يبدو الأمر مفهوماً في ضوء أنّ دراما الفيلم، القائمة على الإثارة والتشويق والانتقام، انطلاقاً من خلفية إسلامية سياسية، جذبت أحداثها وشخصياتها ونهايتها السعيدة ذوق هذا الجمهور. رغم أنّه لا يستحقّ أيّ جائزة، مُقارنة بأفلامٍ أخرى أهمّ منه، معروضة في "بانوراما". دراما غير مُهمّة ولا مُلهِمَة في أيّ مستوى، حتّى السياسي ـ الديني، ولا يمكن أخذها بشكل جدّي، رغم ما تطرحه من أفكار تدعو إلى الحب والتفاهم والسلام، وإلى أنْ تسود روح المرونة في مواجهة المتاعب، وعدم الاستسلام مهما كانت الصعاب.

الشابّة سيرا (نافيساتو سيسي) تنتمي إلى قبيلة من البدو الرُحَّل (قبائل "فولاني"). تُسافر مع عائلتها على ظهور الجِمال، في صحراء شاسعة جميلة، تمتدّ بين موريتانيا وبوركينا فاسو. تتجه القبيلة المُسلمة إلى قرية مجاورة، حيث تقرّر تزويجها لمُزارع مسيحي يحبّها بشدّة منذ الطفولة، يُدعى جان سعدي (عبد الرحمن باري). في الطريق، ليلاً، يعترض مصطفى (مايك دانون)، أحد رجال القبيلة النافذين، على الزواج بين مسلمة ومسيحي من غير قبيلتها ومنطقتها، فيواجهه والدها، تيديان (سيدو ديالو)، زعيم القبيلة الحكيم والمُتنوّر والمُتفتّح، ويردعه ويُجبره على الانصياع لقراره، والتزام الصمت، مُؤكّداً له ثقته التامة بابنته، وبرجاحة تفكيرها، وحُسن اختيارها.

 

 

في الصباح التالي، تتعرّض القبيلة إلى هجومٍ غادر، من إرهابيين إسلاميين. يطلقون النار على الرجال بدمٍ بارد. تلعن سيرا المهاجمين على أفعالهم، ما يدفع رئيسهم إلى اختطافها، ثم اغتصابها، وتركها وحيدة وسط الصحراء، حيث الطيور الجارحة، والعطش، والحرارة. لكنّ سيرا، المُفعمة بحبّ الحياة وإرادة العيش، تُكافح بمختلف الوسائل للبقاء حيّةً، وتنجح في الوصول إلى كهف جبلي تحتمي فيه، وتنجو بمعجزة خارقة من موت حتمي.

بعد تلك الأحداث، تتفرّع خيوط الفيلم في أكثر من مسار: يبحث جان سعدي عن حبيبته، برغبة في الانتقام لها، بعد أنْ أخبرته والدتها بما حدث، هي الوحيدة التي لم تُقتل، والتي تمكّنت من بلوغ قريته. لكنّ رحلة البحث والإنقاذ، وتنفيذ التعهّد للوالدة، لا تسير على النحو المرجو، بل تبلغ ذروة العبثية والسذاجة، عندما يقترب سعدي من هدفه، راكباً دراجة بخارية، ينفد البنزين منها فجأة، من دون أنْ ينتبه. لكنّه يعثر على أسرة بسيطة، تُعيره حمارها لإكمال رحلته.

في مسار آخر، أقل سذاجة وأكثر حبكة، تنكشف الديناميكيات الداخلية لمُعسكر القتلة، المُعلّقة على بابه راية تنظيم "داعش"، ويظهر الزعيم ييري (لازار مينونغو)، مُغتصب سيرا، ومعه رجال آخرون، ونساء كثيرات وصلن أخيراً إلى المعسكر كسبايا، بهدف الترفيه عن الذكور، خاصة الرئيس الذي يختار واحدة منهنّ يومياً، فيغتصبها ويضربها. بين هؤلاء جميعاً، هناك مصطفى، المُعترض على زواج سيرا. هو لم يُقتَل بدوره، قبل أنْ يتّضح عمله مع التنظيم، وخيانته لقبيلته. لاحقاً، يتبيّن سبب جلده لنفسه، بين وقت وآخر: إنّه مثليّ الجنس، يشعر دائماً بالذنب كمسلمٍ مُتديّن، يُؤدّي الفرائض بانتظام.

مسار ثالث، أهمّ وأكثر محورية للدراما، تُكَرِّسُه أبولّين تْرَوُري لحياة سيرا في الكهف، الذي عثرت عليه صدفة، والواقع على مُقربة من معسكر "داعش"، لكنْ من دون اكتشاف وجودها فيه لأكثر من 7 أشهر. أكثر من ذلك، تنجح سيرا في التسلّل ليلاً إلى المعسكر، لسرقة طعامٍ ومياه، أكثر من مرة، من دون أنْ تُكتشف أيضاً. كما أنّها تتواصل مع السبايا مراراً، وتحفّزهنّ على التمرّد والهرب.

سذاجة الطرح وضعف المُعالجة تتجلّيان، أكثر، في اكتشاف المُراهِقة كيمي (روث فِرنر)، إحدى السبايا، أنّ سيرا حامل، بعد نظرة سريعة على بطنها. هذا يُثير دهشة المرأة الحامِل البالِغة، وغضبها، وعدم تصديقها الأمر.

في المتبقي من الفيلم، تتنقّل تْرَوُري بين هذه الخيوط، وتتوالى الأحداث الضعيفة وغير المقنعة، والمفضوحة سلفاً، من دون رتابة وملل كبيرين، خاصة بعد اكتشاف العجوز كريم (إيلديفيرت ميدا)، ذي الخبرة في جلب الأسلحة والمجنّدين الدواعش وتدريبهم في المعسكر، وجود سيرا، فيبدأ بمساعدتها وتزويدها بالماء والطعام، بشكل مُستَغرَب، ويراقب إنجابها طفلها، ثم يمدّها بأدوات تنفيذ خطّتها الانتقامية. هذا يُثير ارتياباً في أمره، قبل أنْ تنفضح حقيقة شخصيته، مع نهاية الأحداث، ما يُشكّل صدمةً.

بعد إنجابها، تستجمع قواها، وتقرّر الانتقام. تُجهّز نفسها وطفلها، وتُنفّذ خطتها الانتقامية من مُغتصبها، في عملية شبه انتحارية، ذكية ومحبوكة، تضافرت فيها النجاحات، ومنها، قبل التنفيذ مُباشرة، حصولها على فرشاة ومعجنون أسنان، بعد أكثر من 7 أشهر أمضتها في الصحراء، تأكل السحالي وغيرها.

المساهمون