سوق الزاوية... كأنه حارة من القدس العتيقة

سوق الزاوية... كأنه حارة من القدس العتيقة

19 ابريل 2021
تتميز الأجواء داخل سوق الزاوية بملامح مختلفة ومُحببة لأهالي غزة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

يتربع "سوق الزاوية" الشعبي، ذو الملامح التراثية، في قلب مدينة "غزة القديمة"، ويتميز بطابع فريد، يختلف عن باقي أسواق القطاع إذ يكسو جدرانه العتيقة عبق الماضي والقِدم، فيما تروي ممراته الضيقة قصص أجيال تعاقبت وتجار كانوا صغاراً وأصبحوا على مدار عقود مضت أصحاب أكبر الشركات. ويعكس السوق الواقع بين شارعي عمر المختار والوحدة الرئيسيين وسط مدينة غزة، نمطاً هندسياً ومعماريًا، يُظهِر تفاصيل وعراقة التاريخ، الذي يعود إلى الحقبة العثمانية وما قبلها، إذ تتميز ممراته الجانبية بالأسقف المقببة، والمعقودة بعقود متقاطعة، فيما يعكس ممره الرئيسي مدى دقة العمران القديم.

ويعتبر سوق "الزاوية" مقصدًا لكل الفئات والشرائح المجتمعية في قطاع غزة من شماله حتى جنوبه، طيلة أيام العام، فيما تتضاعف أعداد زواره في المُناسبات السنوية، كرمضان والأعياد والمواسم، إذ يضم في ثناياه سوقا للذهب والفضة والزينة النسائية، كذلك مختلف أصناف المنتجات الغذائية، الحلويات، الخضار والفواكه، الدواجن البلدية، الأسماك، اللحوم الطازجة والمجمدة، الملابس، المُسليات، مستلزمات البيوت، أصناف العِطارة والأعشاب والبهارات وغيرها، مُجسدًا المقولة الشهيرة "فيه من الحامض للحلو" وتعني أنه يضم كل شيء.

يعتبر سوق "الزاوية" مقصدًا لكل الفئات والشرائح المجتمعية في قطاع غزة من شماله حتى جنوبه، طيلة أيام العام، فيما تتضاعف أعداد زواره في المُناسبات السنوية

ويبدأ سوق الزاوية من ميدان فلسطين غربًا، حتى المسجد العمري الكبير شرقًا، وهو من أكبر المساجد الأثرية في قطاع غزة، ويفتح بابه الغربي على وسط سوق "الزاوية"، فيما تفتح أبوابه الجنوبية والشرقية على سوق الذهب المعروف تاريخيًا باسم "سوق القيسارية"، والذي يمتد من الناحية الجنوبية للمسجد، حتى الناحية الشرقية، ويضم العديد من حوانيت الذهب الصغيرة، والتي تتميز بأسقف مقببة وعواميد سميكة، ويعتبر من أهم المناطق الأثرية في السوق القديم، فيما يجسد ملمحًا معماريًا متكاملًا.

وتؤدي العديد من الممرات الجانبية من الناحية الجنوبية إلى شارع عمر المختار الرئيسي، والذي يشتهر ببيع الملابس، فيما تؤدي ممراته الجانبية من الناحية الشمالية إلى شارع الوِحدة الرئيسي، وتضم تلك الممرات محال تجارية متعددة الأنشطة، إلا أن عددًا كبيرًا منها يختص ببيع العِطارة، فبما يتجمع في مدخل السوق عدد من الصرافين "مُحولي العملات الجوالين".
وينفرد سوق الزاوية بطابع دافئ، يشتم فيه زواره رائحة الزعتر ومختلف أصناف العِطارة منذ اللحظة الأولى لدخوله، إلى جانب محافظته على الملامح القديمة للمحلات الصغيرة، ذات الأبواب الضيقة، وكِبار السن الذين ما زالوا يجلسون أمام حوانيتهم، يصففون بضائعهم، فيما لا تزال بعض النسوة يبعن الجرجير والجبن والأوراق الخضراء على نواصي ممرات السوق.

يبدأ سوق الزاوية من ميدان فلسطين غربًا، حتى المسجد العمري الكبير شرقًا، وهو من أكبر المساجد الأثرية في قطاع غزة

ويقول السبعيني الفلسطيني إبراهيم مسعود، وهو من سكان منطقة سوق الزاوية، لـ "العربي الجديد" إن والده هاجر من يافا عام 1948، وهو ذات العام الذي وُلد فيه بمدينة غزة، ونشأ في منطقة سوق الزاوية، التي لا زال يذكر تفاصيلها منذ الصِغر، مُضيفًا أن "سوق الزاوية كان سوقاً تجارياً خاصاً ومركزياً لمدينة غزة وباقي مُحافظات القطاع، إذ كان يضم خان أبو شعبان، ويقصده التجار الهنود، الذين قاموا بشراء أرض لإقامة زاوية خاصة بهم، تُسمى في الوقت الحالي زاوية الهنود، والتي سُمي السوق فيما بعد على اسمها". ويتابع: "كان لأجدادي مَصبنة لصناعة الصابون، فيما كان يجاورها معصرة للطحينية والزيت البلدي"، وقد تم اعتماد سوق الزاوية، سوقًا لمختلف محافظات قطاع غزة منذ عام 1967، إلى أن اختلفت الأوضاع بعد ذلك وفقًا للفلسطيني مسعود، بسبب انتشار الأسواق في كل المحافظات.

ويقتسم الفلسطيني محمد الكحلوت، الحنين إلى المكان مع باقي مُرتاديه، حيث يسكن ضمن إطار منطقة سوق الزاوية، ويقول إنه يُعتبر من الأسواق الأثرية، إلى جانب أنه سوق مركزي، كان يضم عدة أسواق، منها "سوق الغَلّة، سوق المواشي، سوق الحُبوب". ويوضح الكحلوت في حديث مع "العربي الجديد" أن ما يميز سوق الزاوية قديمًا، هو اتجاه عدد من التُجار من خارج فلسطين إلى قصده للتجارة، ومن أبرزهم التُجار الهنود المسلمون، الذين قاموا بشراء منطقة داخل السوق للتجمع والالتقاء وأداء الصلاة والاستراحة.

ما يميز سوق الزاوية قديمًا، هو اتجاه عدد من التُجار من خارج فلسطين إلى قصده للتجارة

ويلفت إلى أن "زاوية الهنود" باتت من أهم ملامح سوق الزاوية، إلى جانب "سباط الغَلّة" الذي يقع وسط السوق، وكان يؤدي إلى سوق الغَلّة الخاص ببيع البهارات والتوابل التي يجلبها التُجار في قوافل تصل عبر الميناء، فيما تحولت ملامح السباط الخارجية (وهو سباط أثري قائم حتى الآن) بفعل الإهمال وغياب الاهتمام.

وتتميز الأجواء داخل سوق الزاوية الشعبي، بملامح مختلفة، ومُحببة لأهالي قطاع غزة، تُشعرهم بأنه يشبه إلى حد كبير أسواق مدينة القدس العتيقة، التي حُرموا من زيارتها بفعل الاحتلال الإسرائيلي، الذي يمنع أهالي البلدات الفلسطينية من التنقل بِحُرية بين بلداتهم المُحتلة، التي طُردوا منها عنوة على أيدي العصابات الصهيونية عام 1948.

دلالات

المساهمون