سورية التي في الأنفاق: لا نهاية للنظريات والمؤامرات والحقائق

08 يناير 2025
تبدو هذه الأنفاق كأنها بلاد خارج حسابات التاريخ والسياسة (سمير الدومي / فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اكتشاف شبكة أنفاق سرية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، تكشف عن استخدامات عسكرية وسرية، مما يثير نظريات مؤامرة حول وجود سوريا جديدة تحت الأرض.
- الأنفاق تربط مواقع استراتيجية وتعكس تعقيد النظام في إخفاء تحركاته، مما يعزز الصورة الدعائية للنظام ويثير اهتمام المحققين والصحافيين.
- استمرار اكتشاف الأنفاق يثير تساؤلات حول غرضها، خاصة تلك التي تعود لما قبل 2011، ويشكل تحدياً للسوريين لفهم دورها في تاريخهم ومستقبلهم.

تزامن سقوط نظام الأسد مع اكتشاف كم كبير من الأنفاق التي تعود إلى النظام، سواء في القصر الجمهوري أم منزل ماهر الأسد، إلى جانب أنفاق عسكرية كثيرة، كأننا أمام سورية جديدة مبنية تحت الأرض، مختلفة عن أقبية الاعتقال والتعذيب. نظام الأسد لم يكتف بالهيمنة على التراب، بل أيضاً على ما تحته، خالقاً متاهةً وصل البحث عنها إلى حد نظريات المؤامرة.
أصبح الهوس بالأنفاق أمراً متكرّراً في سورية. منذ الأنفاق التي بناها جيش الإسلام، وانتهاءً بأنفاق الأسد، هناك دوماً ما هو مخفي تحت الأرض، لا تراه الأعين، بحاجة إلى مرشد أو دليل. مع سقوط النظام، انكشفت معالم هذه الأنفاق، وما تحويه من أسلحة ومخدرات وأمور أخرى كان الحديث عنها همساً.
الهوس بالأنفاق يمكن ربطه بسياسات الرعب التي لطالما وظفها نظام الأسد. ما نراه في سورية ليس كل شيء، لكن انفتاح هذه الأنفاق أمام المحققين والصحافيين والمؤثرين حولها إلى أمر عجائبي، كأحاديث عن أنفاق جبل قاسيون، وأخرى تربط سورية بلبنان. كل يوم يُكتشف نفق جديد، وكأن النظام حتى في سقوطه زرع يقيناً أن هناك ما لن يعرفه السوريون. الجدل نفسه حصل عند اقتحام سجن صيدنايا، إذ دار الكثير من الأنباء عن وجود غرف وأنفاق سريّة تحوي معتقلين، وعلى الرغم من تكذيب الإشاعة، هرع كثيرون إلى السجن يحفرون بأبسط الأدوات بحثاً عن أحبائهم.
ما يلفت النظر أيضاً هو النفق الذي يصل بين قصريّ بشار الأسد في دمشق، وكأنه لا يحتاج إلى مغادرة منزله، ما يكشف أن كل الصور التي بثت له وهو في الشارع أو يقود السيارة ليست إلا جزءاً من البروباغاندا، خصوصاً أن الصور الشخصية له التي نشرت كلها "في الداخل"؛ فلا شيء خارج قصور الأسد، وهنا يرسخ اللقب الذي أطلق على بشار الأسد بعد خسارة مساحات واسعة من سورية، ألا وهو "مختار حي المهاجرين"، في دلالة على ضيق مساحة تنقله، وسلطاته.
تُكتشف أنفاق جديدة دورياً في أنحاء سورية، ولا حديث أو أخبار عن مهندسيها أو صناعها أو متى حُفرت. هندسة الرعب هذه امتداد لسطوة الأسد، التي ربما ما زالت مستمرة حتى بعد رحيله، وكأنه وأسرته يعيشان في سورية خاصة بهما، وفي منازل وقصور تصل بينها أنفاق سريّة. لكن السؤال، لماذا؟ أغلبها يعود إلى ما قبل 2011، فلم هي موجودة؟ ما هو الخطر الذي كان يواجهه النظام إلى درجة تخفي رجالاته تحت الأرض؟
تثير أنفاق ماهر الأسد الاستغراب؛ فهناك حياة كاملة تدار فيها، حياة قائد مليشيا تبدأ من صناديق الأسلحة وتنتهي بالمجلات الرياضيّة. نحن لسنا أمام أنفاق عسكريّة، بل أنفاق للتخفي بعيداً عن أعين السوريين والعالم. أنفاق تمتد طويلاً لأسلحة وللبشر وللاحتفال ربما. وهنا المفارقة، لا مساحة آمنة في سورية ربما سوى هذه الأنفاق. التراب السوري مباح للبراميل الأسدية والقصف الإسرائيلي والطيران الروسي، إلا ما تحت الأرض. وهذا المريب، لماذا لم تقصف إسرائيل هذه الأنفاق؟

إعلام وحريات
التحديثات الحية

لا نهاية للنظريات والمؤامرات والحقائق التي تكشفها هذه الأنفاق، خصوصاً مع السعي إلى اكتشاف المزيد منها، لتتداخل الحقيقة مع الأمل، وكأن السوريين الآن أمام مهمة جديدة، بعد "تحرير" ما فوق الأرض، وإطلاق سراح المعتقلين في الأقبية، الآن هم أمام الأنفاق، لسبرها ومعرفة دورها وأثرها على حياتهم، ليس بوصفها فقط مساحات للاختباء أو النجاة، بل معالم لسورية لا يعرفونها، بلاد خارج حسابات التاريخ والسياسة، بل وحتى العقوبات الدولية. هذا بالضبط ما يحرك الهوس بالأنفاق، السعي إلى معرفة "كل شيء" عن سورية، بعد انهيار نظام الأسد.

المساهمون