"عزيزي الضيف أحمد... بسأل عنك كل ما بضحك... بس ما بيجيش الرد... كل ما بلمح حد واصلك... أجري له ألقاه يتشد... بيني وبينك... عندك أحسن، أروق، أنضف، لولا الرب علينا بيلطف، كنا زماننا بناكل بعض، بس بنضحك.. نزعل نضحك، نفرح بردو نضحك". بهذه الكلمات رثى الفنان سمير غانم صديق عمره ورفيق طريقه الأول، الفنان الراحل الضيف أحمد، أحد أضلاع "ثلاثي أضواء المسرح" الشهير الذي ملأ الدنيا ضحكاً في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ولا يزال.
مات الضيف قبل أكثر من نصف قرن، ثم مات جورج سيدهم قبل 14 شهراً، ثم لحق بهما آخر أضلاع المثلث، الفنان الكبير سمير غانم، صاحب أطول مشوار فني في الفريق الذي تشكل في ستينيات القرن الماضي، باسم "ثلاثي أضواء المسرح" وهي فرقة استعراض تعتبر الأقوى والأشهر في تاريخ الفن المصري.
أسس الفرقة الفنان الضيف أحمد وقدمت عددًا من الأعمال الفنية الكوميدية التي لاقت نجاحاً كبيراً في السينما والمسرح والإذاعة والتلفزيون، واشتهرت بالتناغم الشديد بين أعضائها الثلاثة إلى أن انفصلوا بعد وفاة الضيف أحمد عام 1970. ويرجع الفضل في تقديمها للمخرج الراحل محمد سالم الذي قدمهم أول مرة في التلفزيون، بعدما حققت الفرقة نجاحاً مذهلاً على مسارح جامعات مصر، والمسارح الشعبية والقومية في المحافظات المختلفة.
شاء القدر أن يكون رحيل آخر أبطال الفرقة سمير غانم (84 عامًا) بعد اجتماع فيروس كورونا والفشل الكلوي على جسده، إذ بقي 3 أسابيع يصارع المرضين في أحد مستشفيات القاهرة، إلى أن وضعه الأطباء على جهاز التنفس الاصطناعي، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ليلتقي رفيقي المشوار: الضيف أحمد، وجورج سيدهم، أجمل وأظرف ثلاثي قدم الكوميديا و"الإسكتشات"، والأفلام السينمائية التي لا تزال تمتعنا حتى اليوم.
سمير غانم نشأ في أسرة محافظة تقليدية، وأصر والده على أن يلتحق بكلية الشرطة ليصبح ضابطاً مثله، لكنه تمرد على رغبة والده بطريقته الخاصة، بعد تعمد الرسوب في كلية الشرطة، لعامين متتاليين، فتم فصله، لينطلق بعدها إلى كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، ثم تعرف من خلال مسرح الجامعة إلى كل من الفنان الكبير صلاح السعدني، والفنان الكبير عادل إمام، والراحلين الكبيرين، جورج سيدهم والضيف أحمد، والمعروف أن جميعهم درس الزراعة باستثناء أحمد الذي درس علم الاجتماع بكلية الآداب.
بعد التخرج بأشهر قليلة كوّن سمير غانم مع الفنانين جورج سيدهم والضيف أحمد "ثلاثي أضواء المسرح"، وقدموا أعمالاً عدة، سواء مسرحيات وأفلام. ورغم أن الفرقة نفسها انتهت مع رحيل أحمد إلا أن علاقة سمير بجورج سيدهم ظلت قائمة، حتى وفاة هذا الأخير وقدما معاً أشهر أعمالهما المشتركة مثل مسرحية "المتزوجون"، وكان آخر عمل مسرحي لهما هو مسرحية "أهلا يا دكتور" عام 1981، وقد حققت نجاحاً كبيراً.
رحل "سمورة" تاركاً خلفه إرثا فنياً كبيراً على كل المستويات سواء السينمائية أو التلفزيونية أو المسرحية. مشوار فني زاخر بالفن استمر لما يزيد على 60 عاما قدم خلالها أكثر من 160 فيلماً، تم اختيار فيلمين منها ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وهما "خلي بالك من زوزو"، مع الفنانة سعاد حسني، و"المذنبون" مع سهير رمزي وكمال الشناوي وإخراج سعيد مرزوق. كما قدم 50 عملاً مسرحيًا، و80 عملاً في التلفزيون والإذاعة، بالإضافة إلى تقديمه الفوازير تحت اسم شخصيتي "سمورة" و"فطوطة".
سينمائياً كان العمل الأول للفنان الراحل هو فيلم "منتهى الفرح" عام 1963، في دور صغير للغاية، مع كل من صباح وفريد الأطرش، ثم توالت أعماله في حقبة الستينيات، وقدم أفلام "المشاغبون" (1965)، و"30 يوم في السجن" (1966)، وغيرهما. وفي السبعينيات زاد إقبال المنتجين عليه، فقدم "بنت اسمها محمود" (1975)، و"سؤال في الحب" (1975)، و"بائعة الحب" (1975). أما في فترة الثمانينيات فكان أشهر أفلامه "يا رب ولد" (1984)، مع الفنان فريد شوقي، "رمضان فوق البركان" (1985)، مع عادل إمام، "احنا بتوع الأتوبيس" (1984)، "فقراء ولكن سعداء" (1986). ومع فترة التسعينيات بدأت أفلامه في التقلص، وقدم فيها أفلام "الهاربان"، "النصاب والكلب"، "الراقصة والحانوتي". ثم مع حلول الألفية قدم أفلاما قليلة بأدوار صغيرة، مثلما حدث في أفلام "على جنب يا اسطى"، "هاتولي راجل"، "حماتي بتحبني"، حتى كانت آخر أفلامه من خلال مشاركته في فيلم "عقدة الخواجة" مع الفنان حسن الرداد، عام 2018.
تلفزيونياً قدم الكثير من المسلسلات، أشهرها "حكاية ميزو"، و"سمير وعيلته الكبيرة"، "يوميات زوجة مفروسة"، "نيللي وشريهان"، وآخر عمل تلفزيوني كان من خلال مسلسل "بدل الحدوتة 3" عام 2019.
ورغم أنّ سمير غانم لم يكن بطلاً مطلقاً في الكثير من أفلامه ومسلسلاته، إلا أنه كان في كل مسرحياته بطلاً وحقق إيرادات كبيرة للغاية. ومن أشهر مسرحياته "المتزوجون"، و"موسيقى في الحي الشرقي"، و"دو ري فاصوليا"، وكانت آخر مسرحياته "الزهر لما يلعب" عام 2020، وجمعه العرض بالفنانة شيرين، وكان العمل بمثابة عودة للعمل بينهما بعد أربعين عاماً من تقديم المسرحية الشهيرة "المتزوجون".
وكان لغانم باع طويل مع الفوازير التي تعلق بها الكبار والصغار، وقدمها على مدار تسع سنوات، بدأها عام 1968 بـفوازير "ثلاثي أضواء المسرح"، ثم فوازير "وحوي يا وحوي"، وعلى مدار ثلاثة مواسم قدم الفوازير الأشهر "فطوطة"، وكانت آخر تجاربه في الفوازير من خلال "النص الحلو" عام 1997، والتي ألفها عبد السلام أمين. ع
لكن ماذا عن ذكريات الفنانين مع النجم الكوميدي الراحل؟ تحدث في البداية الفنان لطفي لبيب لـ"العربي الجديد"، وهو الذي عمل مع سمير غانم في عدة أعمال، قائلاً إن الفنان الراحل كان يتميز على النطاق المسرحي بشكل عام بأنه "المرتجل الأول" حيث كان يضيف بعض الجمل الحوارية على المسرح من دون أن يشعر المشاهد أنها غير موجودة أصلاً في النص المسرحي، وأضاف لطفي: "لا يوجد منافس أبداً لسمير في منطقته".
أما الفنان محمد هنيدي فقال لـ"العربي الجديد": "سمير يؤدي أدواره وهو في منطقة مختلفة تماماً سواء في أفلامه أو مسلسلاته، فكانت له طلة تخطف أنظار المشاهدين". وأضاف هنيدي قائلاً: "سمير في المسرح مختلف تماماً فطريقة إرساله الضحك للجمهور بها متعة غريبة فهو بلا منازع وبلا منافس، أستاذ الكوميديا ولن يعوض غيابه أي شخص". وأشار إلى أنه "كان يتمنى يوماً أن يقف على خشبة مسرح واحد مع سمير غانم، وأبلغه بهذه الأمنية لكن للأسف لم يحدث".
ووصفت الفنانة سهير رمزي عملها أكثر من مرة مع الفنان الراحل سمير غانم قائلة في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" إن العمل معه كان غاية في المتعة خاصة وأنه كان يتمتع بخفة ظل كبيرة ويضفي طاقة إيجابية على كل من حوله، وأكدت أن نوع الفن الذي كان يقدمه كان لافتاً، لأنه قبل أن يكون فناناً فهو كان قريباً إلى القلب سواء قلب زملائه أو قلب جمهوره وهذا شيء لو تعلمون نادر التواجد في الكثيرين من الفنانين فقد تجد فنانا موهوبا ولا يمتلك تلك الكاريزما. وأكملت أنه "على الرغم من شهرة سمير أنه فنان كوميدي من الطراز الأول إلا أن له مشاهد تراجيديا في بعض الأفلام أوضحت إلى حد كبير كيف أن ملامحه كانت معبرة للغاية عن هذا اللون من الفن الذي لم يقدمه كثيراً".