سعاد عباس: "أبواب" شُرعت للاجئين والمهاجرين

03 ابريل 2021
ترأس سعاد عباس تحرير "أبواب" منذ نهاية عام 2017 (فيسبوك)
+ الخط -

يلعب الإعلام المُستقّل دوراً كبيراً اليوم داخل الصحافة العربيّة، فهذه الاستقلالية أضحت تمنحه مكانة مهمّة في مواجهة الإعلام الرسمي الخنوع المُدجّج بالمال وثقافة التقليد والبلاهة الموروثة عن الأنظمة القمعية وسراديبها. كما هو الشأن للمكانة البارزة التي أصبحت تتنزّلها صحيفة "أبواب"، باعتبارها أوّل صحيفة عربية تصدر في ألمانيا وتترأس تحريرها الصحافية السوريّة سعاد عبّاس.

ورغم صغر هذه الصحيفة الشهرية، فإنّها تسعى جاهدة، رفقة طاقم تحريرها وكُتّابها، إلى أن تغدو منارة إعلامية إلى كل العرب المهاجرين واللاجئين والمنكوبين، عبر طرح قضايا تتعلّق بالسياسة والجسد والمرأة وحقوقها القانونية. وتعتزم أن تظلّ شهرية، وتُكرّس اللّغة العربيّة وتاريخها داخل بلاد المهجر، رغم تحوّلات جمّة، طاولت في الآونة الأخيرة مفهوم المهجر سياسياً واجتماعياً.

عن يوميات "أبواب" وطريقة اشتغالها وموضوعاتها وما حققّته منذ سنوات داخل الساحة الإعلامية الألمانية، كانت لـ"العربي الجديد" هذه المقابلة الخاصة مع رئيسة تحريرها الصحافية السوريّة سعاد عبّاس:

• أنت مجازة في الهندسة المدنية والقانون الدولي، كيف وجدت نفسك في عمق الصحافة العربية والعمل ضمن مشاريع منظمات إنسانية في سورية ولبنان؟

كانت الصحافة حلمي في يومٍ من الأيام، تجاهلته حتى نسيته، الصدفة وحدها جعلتني أعود إلى هذا المجال بعد انقطاع حتى عن الكتابة لنفسي. عملت لسنوات مع "المجلس الدنماركي للاجئين" مديرة مشروع لإعادة تأهيل المدارس في سورية منذ عام 2008، وبعد الثورة السورية وبدء حركة اللجوء السوري إلى لبنان، كانت المنظمة التي أعمل فيها من أولى المنظمات التي عملت مع "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين" UNHCR على استقبال اللاجئين وتأمين ملاجئ جماعية وفردية لهم في منطقتي عكار والبقاع. بدأتُ معهم بتأسيس قسم "الملاجئ" في منطقة البقاع، ثم أصبحتُ منسقة المشروع في لبنان كله.

نحاول الوصول إلى شريحة من القرّاء هي في غالبيتها من المهاجرين الناطقين بالعربية، على اختلاف انتماءاتهم

عملي هذا طوال سنوات كان بعيداً عن مجال الصحافة. وعدت للكتابة بعد فترة قصيرة من إقامتي هنا في ألمانيا، ثم انضممت إلى مشروع "أبواب". ولكن للتوضيح، أنا لست في عمق الصحافة العربية. في "أبواب" نحاول الوصول إلى شريحة من القرّاء هي في غالبيتها من المهاجرين الناطقين بالعربية، على اختلاف انتماءاتهم، يغلب عليهم السوريون طبعاً، نتيجة ظروف اللجوء إثر حرب السنوات السابقة.

• تشتغلين اليوم رئيسة تحرير "أبواب"، وهي أول جريدة عربية تصدر في ألمانيا. كيف جاء التحاقك بهذا المشروع الإعلامي الغني وأيضاً عن حيثيات هذا العمل وأبعاده، خاصة أنه يولي أهمية كبيرة للاجئين والمهاجرين؟

حين تأسست أبواب في ديسمبر/ كانون الأول عام 2015 كنت أساعد بداية في تحرير بعض المواد فقط، وبعد أشهر قليلة بدأت العمل محررة للموقع الإلكتروني عند تأسيسه، ونهاية عام 2017 أصبحت رئيسة التحرير.

كان شعار الصحيفة منذ بدأت "من اللاجئين وإلى اللاجئين"، وركزت على احتياجات ومخاوف الوافدين الجدد إلى ألمانيا، وتزويدهم بمعلومات إجرائية وقانونية تتعلق بأوضاعهم في البلد، أو معلومات عامة عن المجتمع الجديد والثقافة الأوروبية والألمانية تحديداً، بما يسهّل لهم بدء حياة جديدة وتلمس خطاهم في الغربة.

شعار الصحيفة منذ تأسيسها في ديسمبر/كانون الأول عام 2015: من اللاجئين وإلى اللاجئين

المشروع ضم مجموعة من الكتاب والأكاديميين والمتخصصين في مجالات عدة، بعضهم من المهاجرين القدماء ذوي الخبرة في البلد وقوانينها وأنظمتها الصحية والتعليمية وغيرها، والبعض الآخر من القادمين الجدد طبعاً. كان الهدف الأول والأساسي لـ"أبواب" خدمياً، وهذا ما زاد شعبيتها. ما ميّز "أبواب" طوال هذه السنوات هو أنها قدمت منبراً للكاتبات والكتاب الشباب، وأيضاً للناجين الواصلين إلى ألمانيا بعد رحلة اللجوء التي غالباً ما كانت تجربةً مريرة استطاعوا مشاركتها مع العالم. "أبواب" في هذا السياق كانت مساحة بوح وأمل.

• لكن ما الذي حقّقته إلى الآن؟

استمرت الصحيفة إلى الآن بتحقيق الغاية الأساسية لإنشائها، ثم تطورت واتسع مداها من حيث الجمهور والتنوع في ما تتناوله من مواضيع: الثقافة، وقضايا المرأة والمجتمع، والسياسة في ألمانيا وغيرها صارت مواضيع ثابتة. أما على صعيد الطرف المضيف، فإن اهتمامنا كان منصباً على أمرين، أولهما إيصال بعض ما يُطرح في "أبواب" من قضايا للراغبين في التعرف على الثقافة الجديدة أو للمهتمين بشؤون الهجرة واللجوء، عبر ترجمة بعض المقالات شهرياً. والثاني هو التأكيد على أهمية استخدام اللغة العربية في الإعلام المطبوع في ألمانيا، في محاولات حثيثة ومستمرة للتأكيد على أهمية اللغة الأم في إيصال المعلومة إلى المهاجرين، وعلى عدم تعارض ذلك مع تعلم لغة البلد المضيف، وهذا ما بدا لي في بعض الأحيان مهمة شبه مستحيلة أمام بعض المسؤولين الألمان الذين يؤرقهم هاجس الاندماج وفوبيا المجتمعات الموازية.

• ألا ترين أن إصدارها مرة واحدة شهرياً قد يشكل إجحافاً أمام غنى وتنوع المواد المُتضمنة داخل كل عدد؟

العدد الشهري يأتي حافلاً وربما مضغوطاً كما قلتَ بالكثير من الموضوعات (قانون، صحة، تعليم، فن، مطبخ، فعاليات اجتماعية وسياسية وثقافية، سياسة وأدب، مع ملف شهري يتناول القضايا الأكثر تداولاً في كل شهر في ألمانيا مثل الانتخابات، والحجاب في المدارس، واللغة، ولمّ الشمل وغيرها من المواضيع المثيرة للجدل).

ورغم أن صدورها شهري، إلا أن نشر موادها يتوالى يومياً على الموقع الإلكتروني بتواتر أعلى وتنوع كبير، نحاول من خلاله أن نصل إلى أشخاص متعددي التوجهات والميول الفكرية، وهو أمرٌ في غاية الصعوبة حين نأخذ في الاعتبار مواردنا المحدودة. لكن فريق عملنا الصغير الذي لا يزال يؤمن بمشروع "أبواب" منذ يومها الأول وحتى اليوم هو ما ضمن استمراريتها رغم التحديات.

• ما الذي تطمحون إليه من خلال الصحيفة وأي أفق إعلامي وإنساني رسمته إلى اليوم؟

إن مرور السنوات الخمس منذ موجة اللجوء الكبيرة أواخر 2015 لا يعني أن غربة اللاجئ أو المهاجر أصبحت أقل. ربما تمكن البعض من مفاتيح المكان بشكل أو بآخر، لكن أن تصبح هذه البلاد موطناً لا يزال هدفاً بعيد الأمد. يمكنني أن أدعي أننا في "أبواب" نتعلم مثل كل الواصلين الجدد أن نفهم أكثر ونمتلك أدوات المواطنة والانتماء. نطمح معهم ونشاركهم معارف كتابنا وصحافيينا وأطبائنا ومحامينا وأصحاب الخبرات معنا.

نتعلم مثل كل الواصلين الجدد أن نفهم أكثر ونمتلك أدوات المواطنة والانتماء

نحاول الاستمرار في العمل لنبقى مصدراً موثوقاً للمعلومة للناطقين باللغة العربية في ألمانيا وأوروبا عموماً، ولنخلق حالة تفاعلية واسعة مع القراء واستقطاب أعداد أكثر بالطبع، لطرح مواضيع أكثر حساسية، تستطيع ملامسة التغيرات المتتالية في حياة الإنسان المهاجر اللاجئ بعد سنوات من وجوده في هذه الجغرافيا الجديدة.

• ما التحديات التي تُواجهونها في خضم هذا المشروع الإعلامي الذي بدأ صوته يُسمع عربياً ويحقق لنفسه سمعة طيبة داخل الإعلام العربي المكتوب منه والمرئي؟

التحديات التي يعيشها مشروع "أبواب" لا تنفصل عن التحديات التي تواجه قراءها، لأننا نحاول تناول المواضيع وثيقة الصلة بحياتهم في البلاد الجديدة، وهو أمر يتطلّب فهماً للواقع الذي يعيشونه. وسأحاول الشرح ببعض التعميم هنا للإضاءة على الخطوط العريضة لما يواجهه القادم الجديد في ألمانيا؛ لا شك في أن فئات كبيرة من اللاجئين والمهاجرين تعيش نوعاً من الخوف على تقاليدها كأي أقلية دينية وإثنية، مما يحول التفاصيل إلى قضايا، ويطرح إشكاليات تتعلق بتصوراتهم حول المستقبل والانتماء وفكرة العودة وطبيعة العلاقة مع المجتمع في البلد المضيف، وعلى صعيدٍ مقابل تطرح هذه الغربة معطيات جديدة تنتج بدورها طرق تفكير وسلوك تكيّفية، تتيح للمهاجر الذي يعاني قلقاً من الإقصاء وبنوعٍ من البراغماتية أحياناً والمرونة أحياناً أخرى أن يغلف تقاليده بأساليب الحياة المتبعة هنا، بينما تفسح المجال واسعاً من جهةٍ أخرى لمن يرغب في عيش خياراته الحقيقية الجديدة.

التحديات التي يعيشها مشروع "أبواب" لا تنفصل عن التحديات التي تواجه قراءها

ما أريد قوله إن كل المراحل التي يعيشها المهاجر في بلده الجديد تطرح تساؤلاتٍ وإشكالاتٍ وتعقيدات يجب التطرق إليها وتناولها من وجهات نظرٍ متنوعة، مع اعتبار أنه لا يمكن على الأقل في هذه المرحلة الوصول إلى نتائج نهائية وأحكام، إنه مستقبل قيد البناء، وأرى أن للإعلام دوراً كبيراً في تسليط الضوء على هذه التغييرات. باختصار؛ "أبواب" تحاول مواجهة هذه الإشكاليات مع القراء كتحديات تتطلب العمل لتجاوزها والانتقال إلى ما بعدها.

• ككاتبة سورية مقيمة منذ سنوات في ألمانيا، كيف تقيّمين وضع الثقافة السورية اليوم داخل النسيج الإعلامي الألماني؟

لست أبداً في موقع يؤهلني تقييم وضع الثقافة السورية في النسيج الإعلامي الألماني، فأنا أقدم نفسي كجزء من مجموعة عمل بدأت مع "أبواب" منذ حوالي خمسة أعوام ولا تزال مستمرة. قراءاتي وعلاقاتي مع الوسط الثقافي تتيح لي كأي قارئ أو متابع أن أعجب ببعض المحاولات ولا أعجب ببعضها الآخر، أما تقييم مدى تداخلها مع النسيج الثقافي الألماني فهذه مهمة أصعب بكثير عليّ وعلى كثيرين غيري من القادمين الجدد، فالثقافة الألمانية ليست فقط ما قرأناه من أدبٍ مترجم، ولا ما نتصفّحه مما تتداوله الصحف والمواقع الألمانية، بل هي باعتقادي روح البلد.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

الوجود الثقافي السوري هنا في مرحلة بناء مستمر، بكثافة وجمال واجتهاد طبعاً، مع وجود حركة ترجمة تتابع الإنتاج السوري الثقافي وتحتفي به، ومتابعو حركة الترجمة هنا لا يقتصرون على المهتمين بشؤون المنطقة، أو بمواضيع الهجرة واللجوء أو المختصين فقط، لأن القارئ الألماني عموماً مهتم بقراءة هذا المنتج والتعرف أكثر على الثقافة السورية كجزء من عالمية الثقافة، ويبدو أن هناك توقاً إلى المزيد. بكل الأحوال اعتقادي الشخصي هو أن الوقت لا يزال مبكراً لإعطاء تقييمات.

المساهمون