تقع مدينة الوكرة جنوبي العاصمة القطرية الدوحة بنحو 14 كم، وهي ثاني أكبر مدينة من حيث المساحة، إذ تبلغ مساحتها 2.577.6 كيلومتر مربع، واسمها مشتق من اسم وكْر وهو عش الطائر، ويقدر عدد سكانها بنحو 300 ألف نسمة. ووفقاً للمصادر التاريخية، تعود تسميتها إلى جبل في المدينة كانت الطيور تتخذه وكراً لها، وقد تأسست عام 1828.
للمدينة تاريخ قديم في صيد الأسماك والغوص بحثاً عن اللؤلؤ. وتخليداً لهذا الدور، شُيّد في أحد ميادين الوكرة نُصب يجسّد اللؤلؤة، يُطلق عليه محلياً دوار "الصدفة" الذي كان يتوسط المدينة، قبل نقله إلى أطراف السوق القديم. كما استوحت المعمارية زها حديد (1950 - 2019) تصميم استاد الجنوب الذي تحتضنه المدينة من أشرعة المراكب التقليدية القطرية، احتفاءً بتاريخ الوكرة العريق كمركز للصيد والبحث عن اللآلئ. ويرمز تصميمه إلى قدرة على الإبداع، ويرمز وجوده في الوكرة إلى رؤية بعيدة تتعلق بالإرث الذي يعتبر أحد أهم أهداف قطر في تنظيمها أول بطولة لكأس العالم لكرة القدم تقام على أرض عربية، ودفعها لمسار التطوير للبنية الخدمية للمجتمع التي يستفيد منها المجتمع العالمي أيضاً، عبر تقليل عدد مقاعده من 40 ألف مقعد إلى النصف، والتبرّع بها إلى دول نامية تفتقر إلى البنية التحتية الرياضية.
استضاف استاد الجنوب خلال المونديال مباريات عدة في مرحلة المجموعات ودور الستة عشر، بدأت في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بمباراة فرنسا وأستراليا، ضمن منافسات المجموعة الرابعة، ثم مباراة سويسرا والكاميرون لحساب المجموعة السابعة في 24 نوفمبر، فمباراة تونس وأستراليا في المجموعة الرابعة في 26 نوفمبر، ثم الكاميرون وصربيا لحساب المجموعة السابعة في 28 نوفمبر، وأستراليا والدنمارك في المجموعة الرابعة في 30 نوفمبر، وغانا وأوروغواي في المجموعة الثامنة في 2 ديسمبر/ كانون الأول.
ويؤكد صاحب حساب "الوكرة لايف"، محسن جاسم، لـ"العربي الجديد"، استعداد المدينة التام للعرس الكروي العالمي، مرحباً بالمشجعين من أنحاء العالم، لافتاً إلى أن منتخب إنكلترا اختار فندق سوق الوكرة تيفولي، مقراً لإقامته، بينما سيُجري تدريباته على ملعب الوكرة.
ووفقاً لخطة التنمية الحضرية لمدينة الوكرة التي صدرت عام 2008، وُضعت رؤية معمارية لتطوير المدينة خلال ثلاثين عاماً، ومن أبرز ملامحها تطوير الشاطئ، وأحياء المدينة القديمة، وكذلك تطوير وسط المدينة، والتوسع في جنوبها، (المدينة المركز الرئيسي للمرافق الحكومية وجامعة الوكرة)، وزيادة النسب المسموحة في ارتفاعات المباني، لتصبح الوكرة قادرة على استيعاب أكثر 600 ألف شخص، فضلاً عن المدينة الرياضية.
ويشير جاسم إلى أن مدينة الوكرة شهدت نهضة عمرانية وخدمية شاملة، فشُيد مستشفى الوكرة العام الذي يقدم خدماته الصحية والعلاجية والعمليات الجراحية على مستوى عال، إلى جانب مركزين صحيين يتبعان مؤسسة الرعاية الصحية، يقدمان خدماتهما للمواطنين والمقيمين، إلى جانب العديد من المراكز الطبية والمستشفيات الخاصة. وفي المدينة أكثر من 10 فنادق. أما أكثر المعالم شهرة فهو سوق الوكرة القديم الذي يجسد تراث أهل الوكرة وأصالتهم، ويزيده جمالاً موقعه على الخليج مباشرة.
تشتهر الوكرة بناديها الرياضي الذي يحمل اسمها (نادي الوكرة الرياضي)، وهو أحد الأندية القطرية العريقة، وتأسّس قبل أكثر من 62 عاماً، ويمتلك ملعباً ومنشآت وصالات للتدريب وإقامة المباريات لمختلف أنواع الرياضات.
وتتميز المدينة بتلالها الصخرية، وخاصة في جنوبها قرب الشاطئ. وترتفع عن سطح البحر قرابة خمسة عشر متراً، ومن أشهرها جبل الوكرة الذي اتخذه الغواصون وصيادو اللؤلؤ والأسماك والبحارة مسكناً ومأوى لهم.
في المدينة أيضاً متحف يقدّم صورة تاريخية عن عاصمة الجنوب القطري، وتبرز المعروضات أعمالاً من الفن والعمارة التاريخية في المنطقة، مع التركيز على الحياة البحرية والتاريخ الطبيعي للوكرة.
أما قلعة الحصن، فبُنيت على أنقاض وبقايا قلعة قديمة، إذ يعود تاريخها إلى القرن العشرين، وتتكوّن من برجين دائريين، واستخدمت قديماً مقراً ومركزاً رسمياً للشرطة.
وتحتضن الوكرة عشرات المدارس الحكومية والخاصة، من الحضانة إلى المرحلة الثانوية، ومن المقرر افتتاح أفرع لجامعة قطر في المدينة التي تضم شبكة حديثة من الطرق والأنفاق والجسور، إلى جانب ارتباطها بشبكة مترو الدوحة، عبر خطوطه الثلاث، إذ يمكن التنقل عبر قطارات المترو من الوكرة جنوباً إلى لوسيل شمالاً، فضلاً عن المواقع السياحية والثقافية والتجارية، مثل سوق واقف والحي الثقافي "كتارا" وغيرهما، كما تحتوي المدينة على سلسلة من المولات والمجمعات التجارية الحديثة، وكذلك شاطئ للعائلات وآخر عام، زُوّدا بالإنارة عن طريق الطاقة الشمسية، مع توفير الخدمات اللازمة للمرتادين.
ويعد أحد أبرز إنجازات المدينة فوزها بجائزة "يونسكو لمدن التعلم لعام 2021"، ضمن عشر مدن حول العالم، خلال المؤتمر الدولي الخامس لمدن التعلم في جمهورية كوريا، وذلك لما حققته في مجال التعلم مدى الحياة، وقد تنافست 60 مدينة على هذه الجائزة، لدمج جميع القطاعات الحيوية والتعليمية والحكومية والخاصة بنطاقها الجغرافي في عملية التحول للاستدامة. وحصلت الوكرة على جائزة "يونسكو" بعد تنفيذ استراتيجيتها في التحوّل إلى مدينة مستدامة، عبر مشاريع إنارة بالطاقة الشمسية، وإطلاق حملات وطنية للتوعية بالاستدامة وأهميتها، بالإضافة إلى تحقيقها الهدف الرابع "التعليم الجيد"، لخدمة الهدف الحادي عشر وهو "بناء مجتمعات مستدامة"، اعتماداً على استراتيجية قطر في توفير فرص التعلّم للجميع والمؤشرات العالمية لجودة التعليم.