ريكي جيرفيز يقدّم قواعد الكوميديا في "الطبيعة الخارقة"

27 مايو 2022
لا يخفي الكوميدي أجندة سريّة وهو يطرح النكات على الخشبة (رودين إكنورث/Getty)
+ الخط -

لم يعد يخفى على أحد أن موقف الكوميديين الذكور في الولايات المتحدة (ديف شابيل، وكريس روك، وغيرهما) أصبح موحداً؛ هم جبهة متماسكة ضد ما تمارسه سياسات الهوية من إلغاء، وضد الحساسية المفرطة من النكات، وضد ما تحاول حركات WOKE (التحذير من الحقد والتمييز العرقي) فرضه على أسلوب الكلام والتعبير.

هذه الجبهة، ينضم إليها ريكي جيرفيز في عرضه الأخير "الطبيعة الخارقة" الذي صدر قبل أيام على "نتفليكس". في ساعة، يقدم جيرفيز درساً في الكوميديا. بمعنى آخر، ساعة يستحضر فيها الرجل مختلف أشكال النكات؛ إذ يبدأ من "المفارقة" (Irony)، بوصفها تقنية نضحك إثرها، لكوننا نعلم أن ما يقال كذب، والحقيقة عكس ذلك، ليمرّ بعدها بالأنواع المختلفة: نكات الأطفال الموتى، ونكات المعوَّقين، ونكات المتحولين جنسياً، ونكات الهولوكوست، ونكات هتلر، والنكات العنصرية، ونكات البدناء، وكل ما هو "مغضوب عليه" من النكات التي تهين بعضهم وتُضحك آخرين.

لن نخوض في النكات، بل في "الدرس" نفسه، فما يجب أن ندركه أولاً أن المفارقة تقنية بلاغية للإضحاك، ثانياً الإهانة التي يشعر بها بعضهم هي ببساطة رأي شخصي، وليست حقيقة جمعية. هناك من يشعر بالإهانة، وهناك من يضحك. الأهم، الإهانة كشعور شخصي لا تعني أن النكتة مهينة، تلك الوسمة التي تلاحق الكوميديين، وقد تهدد مسيرتهم المهنية. الشأن الثالث هو التقمص. بمعنى أن الكوميدي مستعد لأن يرتدي أي قناع في سبيل النكتة. قد "يتقمص" لثانية يميناً متطرفاً، أو مهاجراً آسيوياً، أو يسارياً أناركياً... كل هذه ليست إلا أدواراً في سبيل النكتة. وبالضبط كما في تاريخ الكوميديا، المؤدي قد يقف على رأسه وهو يمتطي حماراً، في سبيل الضحك.

الدرس الرابع والأهم أن الكوميدي لا يؤمن بما يقوله، ولا يخفي أجندة سريّة، وهو يطرح النكات على الخشبة. من يسخر من المتحولين جنسياً لا يكرههم، ولا يريد إبادتهم، هو يشير إلى المفارقة في سبيل الضحك، فضلاً عن أنه لا يوجد ما يسمى الإمعان في الأذى، أي استهداف الأضعف لأجل الضحك الرخيص. الأمر كله مشاعر أفراد، وهذا أيضاً ما يراهن عليه جيرفيز؛ إذ يشير إلى ثروته الكبيرة، وإلى أنه أبيض وإلى أنه مغاير الجنس، لكن كل هذا لا علاقة له بـ"النكتة" التي تهدف إلى الضحك.

سينما ودراما
التحديثات الحية

تبدو المقاربة السابقة والأسلوب الذي تُصاغ فيه الحجج والدروس أشبه بانتصار للرجال، كي يقولوا ما يريدون من دون تفكير، أو قد تبدو دعماً لخطاب الكراهية. لكن الأمر مختلف كلياً. أذية مشاعر أحدهم، أو فئة بأكملها، ليست خطاب كراهية، بل انتصار لراديكالية حريّة التعبير. منع كلمات وتشفير أخرى، وتقنين بعضها لكونها تمسّ المشاعر، ليس إلا هيمنة على حرية التعبير الذي لا بد من الدفاع عنه بشدة، وهذا بالضبط ما تقوم به الكوميديا: اختبار حدود حرية التعبير ودفعها إلى الأقصى.

اللافت أن جيرفيز يشير إلى لويس. سي. كيه، وكيف أُلغي. يقول: "الواضح أن الاعتذار لا يكفي". يشير جيرفيز إلى أنه، في العالم، وأميركا خصوصاً، لم يعد الإلغاء، والاعتذار المتكرر، وحرمان العمل، كافية كي يتابع الشخص حياته، وهذا بالضبط ما هو مخيف في تقنين حرية التعبير. العقوبة لا تتطابق مع الفعل، المتمثل بأذية المشاعر (لا نتحدث عن سي. كيه هنا). هناك عدالة عمياء تريد خلق مساحة آمنة للضحك حيث لا تُمس مشاعر أحد.

وهذا بالطبع مستحيل. فكل نكتة، مهما كانت سخيفة، تحوي داخلها إهانة مبطنة لفئة ما، وهذا ما يشير إليه جيرفيز؛ إن حرمان فئة أن تكون موضوعاً للنكات، فيه تعالٍ بدايةً، والأهم، فيه ادعاء أن هذه الفئة لا تمتلك حسّ دعابة، وكأن حسّ الدعابة "السليم" حبة من نوع ما، يجب أن يأخذها البعض كي "يفهموا"، أما الباقون فلا يفهمون كونهم لم يحصلوا عليها. هذه المصادرة والتعالي وادعاء الصوابيّة، وجدت لنفسها عدواً يتمثل بالكوميديون، تلك الفئة التي هي مستعدة لأن تضحي بنفسها لأجل الضحك.

المساهمون