رون داينز (1/ 2): "أختار ما يُشعرني بأنّي لم أشاهد مثله قبلاً"

31 يناير 2022
رون داينز في حفلة "سيزار 2021" الفرنسية (توماس سامسون/فرانس برس)
+ الخط -

عام 1999، أنشأ رون داينز (Ron Dyens) شركة الإنتاج "ساكربلو" (Sacrebleu Productions) التي أنتجت أكثر من 50 فيلمَ تحريكٍ قصيراً، شاركت في أكثر من 1000 مهرجان، وفازت بجوائز مهمّة، كـ"السعفة الذهبية" لمهرجان "كانّ"، عن "قصّة كلبية" (2010) لسيرج أفيديكيان، وجائزتي "كريستال" أفضل فيلم قصير في "مهرجان آنسي"، عن "ترام" (2012) لميكايلا بافلاتوفا و"الرجل فوق الكرسي" (2014) لداهي جونغ، و"الأسد الذهبي" لـ"مهرجان فينيسيا"، عن "شجن كبير" (2017) لسيلين ديلفو، و"الدب الفضي" لـ"مهرجان برلين"، عن "الأرنب العظيم" (2021) لأتسوشي وادا؛ إضافة إلى جائزتي "سيزار" وترشيح لـ"أوسكار" أفضل فيلم تحريك عام 2010، عن "مدغشقر، دفتر رحلة" لباستيان دوبوا؛ وغيرها.

أنتج داينز أيضاً فيلمي تحريك طويلين مهمّين: "في قمّة العالم" (2015) لريمي شاييه، و"رحلة مارونا العجيبة" (2019) لأنكا داميان، وفيلماً وثائقياً يرصد تاريخ سينما التجريب، أخرجه بيب شودوروف عام 2011، بعنوان "راديكاليون أحرار: تاريخ الأفلام التجريبية".

قصة نجاح باهر، ترجع من دون شكّ إلى شغف رون داينز بمهنته، الذي يظهر جلياً في إقباله على النقاش ولقاء الجمهور، كأنّه مُنتج مُبتدئ، يرسم أولى خطواته، وخطابه المسترسل والمبني على نياته، والمعايير التي تحدّد اختياراته، في مجال يصعب العثور فيه على تمويل كافٍ لإنجاز المشاريع، فكيف إخراجها في أفضل حلّة، تكفل لها السّفر في شتى أنحاء العالم، وحصد الجوائز، والعرض على شاشات أهمّ القنوات التلفزيونية، العمومية والخاصة.

شارك داينز في الدورة الـ19 (11 ـ 15 أكتوبر/تشرين الأول 2021) لـ"المهرجان الدولي لسينما التحريك بمكناس"، حيث قدّم "بطاقة بيضاء"، عُرض فيها بعض إنتاجاته القصيرة، وتلاها نقاشٌ ثريّ مع الجمهور؛ كما شارك في مائدتين مستديرتين حول إنتاج وتطوير مشاريع سينما التحريك، وأنشطة أخرى.

بهذه المناسبة، حاورته "العربي الجديد".

 

(*) صرّحت أنّك حين دخلت الإنتاج، بداية القرن الحالي، لاحظت انفجاراً في الإمكانات التكنولوجية، وأوجه قصورٍ كثيرة في كتابة أفلام التحريك. هل هذا الحال لا يزال كما هو اليوم، أم أنّ الأمور تطوّرت؟

عندما بدأتُ العمل في مجال السينما، اشتغلتُ على أفلامٍ تخييلية خارج سينما التحريك، فلاحظتُ اشتغالاً مرضياً على الكتابة. في مجال سينما التحريك، حينها، كان الحكم على المشاريع ينطلق من الرسوم: "مرحباً، أحبُّ رسوم شخصياتك. سأنتج هذا الفيلم". هكذا كانت تتمّ الأمور، تقريباً. استفدتُ فعلياً من تجربتي، المتأتيّة من الأفلام التخييلية التي تلتقط الحياة الواقعية، طالباً من المؤلفين والمخرجين الاشتغال أكثر على القصة، علماً أنّ الأداء الرسومي كان، بمجمله، جيّداً حقّاً.

الكتابة أتاحت لي تقديم مساهمة فنية فاعلة. لذا، جوابي: أجل. شعرتُ بتطوّر واضح للغاية في كتابة أفلام التحريك، إذْ يوجد مزيدٌ من الاشتغال على القصص، وخاصة العمل الثنائي بين مخرج الرسوم وكاتب السيناريو. إضافة إلى ذلك، أودّ توضيح أنّ مخرج أفلام التحريك، تكون لديه غالباً قبّعات أكثر مما يلزم. أي أنّه يكون غالباً هو نفسه مُصمّم الرسوم، وصانع الـ"ستوري بورد"، ومولِّف الفيلم، وكاتب السيناريو، لأنّه يؤلّف القصة بنفسه، أحياناً عدّة.

هذه مسؤوليات كثيرة، بالنسبة إلى شخصٍ واحد. الهدف من اللعبة أنْ نُحسِّس المؤلّف بأنّه ليس وحيداً في برجه العاجي، يفعل كلّ شيء بمفرده، بل على عكس ذلك: أنْ يفهم أنّه بصدد عمل جماعي، يشتغل بموجبه فريق، حتّى تكون النوايا واضحة للمُشاهد.

 

(*) بشكل عام، ينتقي المنتجون المشاريع التي يشعرون أمامها بتقارب بين حساسيتهم الخاصة والسيناريو، أو بانسجام في الرؤى مع المخرج. كيف تختار المشاريع التي تُنتجها؟

أختار المشاريع التي تُثير فيّ شعوراً بأنّي لم أشاهد فيلماً مُشابهاً لها قبلاً. لن أنتج أبداً فيلماً يُشبه شيئاً شاهدته سابقاً. هذا أول معيار، يصعب العثور عليه. بعد ذلك، يهمّني النقاش مع المؤلّفين. أطرح عليهم أسئلة كثيرة، لأتأكّد مما إذا كانوا يعرفون مواضيعهم جيداً. في هذه الحالة، ننتقل سريعاً إلى مرحلة العمل. أما إذا لم يكن الموضوع قوياً كفاية بعد، وألاحظ أنّ فيه نواقص، أحاول أنْ أرى هل بوسعهم الإنصات، حتى نشتغل سوياً على تقوية الكتابة، أم أنّهم يعتبرون أنْ لا حاجة إلى مزيد من الاشتغال. في الحالة الأخيرة، أتوقّف عن الاهتمام، إذْ يصبح الأمر مضيعة للوقت، وأنا لديّ مشاغل لا تُحصى، ومشاريع أخرى يجب تحقيقها. إذا لم يكونوا مُستعدّين للاستماع إلى ملاحظاتي، لن يستمعوا إلى شخص آخر، وسيصنعون أفلامهم من دون الاهتمام بالمتفرجين.

 

 

بالنسبة إليّ، مهم جداً أنْ أكون وسيطاً بين المخرج ـ الذي يكون بمفرده نوعاً ما، ويشعر أنّه يعرف موضوعه جيداً ـ والمتفرّج، الذي سيُشاهد النسخة النهائية من الفيلم، والذي ينبغي عليه أنْ يستوعب كلّ شيء، مع الحفاظ على جانب من الغموض في القصة، طبعاً.

 

(*) أتفهّم جيداً ما تقصده، حين يتعلّق الأمر بالأفلام التي ترتكز على السرد. لكنّي أجد صعوبة في تخيّل ذلك بالنسبة إلى الأعمال المبنية على نوع من التجريد، كـ"السقوط".

أجد صعوبة في شرح ذلك أيضاً. لا بُدّ أنّي محظوظ، أو لديّ حسّ لهذا النوع من الأشياء. لا أدري حقّاً. أشعر فقط بإمكانيات المؤلّف، وبما كتبه، حتى لو لم يكن كثيراً، كما في حالة "السقوط" (رحلة تجريدية، أخرجها بوريس لابّي عام 2018، ترصد نزول كائنات من السماء للقاء سكّان الأرض، وما ينجم عن ذلك من تكوّن عوالم جهنّمية، وحلقات نعيم ـ المحرّر). أحسّ أنّه يستدعي صُوراً في داخلي، وأشياء من أعماقي، فأتحدّث مع المؤلّف، وأناقشه في مدى إمكانية أنْ ينمو المشروع ويترعرع، مُفسحاً المجال لسردٍ مُثير للاهتمام. إذا تحقّقت الإمكانية، أحاول إنتاج المشروع.

أصنع بنفسي قصصي وصُوَري الخاصة، انطلاقاً من قراءة ملف مشروعٍ، أو من لقاءٍ مع مؤلّفه، كقراءة رواية. عندما تكون صُوَري واضحة قليلاً في ذهني، وعندما تروقني هذه الصُوَر، أحاول نقلها قليلاً إلى المخرج. هذه المواجهة بين صُوَره وقصته، وصُوَري الخاصة، ستحدّد ـ إذا كان لديه ما يكفي من المرونة ـ إنْ كنا سنذهب بعيداً في صنع شيءٍ يترجم مشروعه أولاً، طبعاً، ويهتمّ أيضاً بالنظرة الخارجية التي أجلبها.

 

(*) عند مشاهدة أفلامٍ، كـ"السقوط" و"الرحلة العجيبة لمارونا"، آخر الأفلام الطويلة التي أنتجتها، هناك شعور بأنّها تنطوي على مجازفة كبيرة منك.

دائماً وكلّياً. حقيقةً، يصعب العثور على تمويل، وإقناع الشركاء بمشروعك في هذه الحالة. طبعاً، أكون مسروراً عندما أدرك أنّ الفيلم خرج بشكل جيّد، ولاقى نوعاً من النجاح، كحالة "مارونا"، لكنّه لا يجني بالضرورة المال الكافي. "مارونا" ليس فيلماً يكسب مالاً. فيلمي التالي "عائلتي الأفغانية" الذي يدور في أفغانستان، ليس بدوره من نوع أفلام "بيكسار" أو "دريم ووركس". لكنّ هذه الأفلام، بالنسبة إليّ، تستحقّ أن توجد، حتى لو لم يُشاهدها سوى 40 ألف شخص فقط في الصالات، كـ"مارونا" ويتذكّرها هؤلاء الـ40 ألف شخص جيداً.

التقيتُ أشخاصاً صدفةً، قالوا لي: "آه. هل أنت من أنتج مارونا؟ إنه عملٌ رائع. أمضيتُ وقتاً فريداً. ذكّرني الفيلم بهذا أو بذاك". الناس يتذكّرون الأفلام المتفرّدة، وإنْ لم يتذكّروا التفاصيل، فهم يتذكّرون الشعور الذي انتابهم أثناء العرض، وهذا مُهمّ للغاية بالنسبة إليّ. لا فائدة من 4 ملايين شخص لا يتذكّرون شيئاً من الفيلم بعد مُشاهدته. فقط، يقولون لأنفسهم: "أعتقد أنّه كان فيلماً ثلاثيّ الأبعاد، أليس كذلك؟ أظنّ أنّه لم يكن سيئاً". لا يهمّني صنع أفلامٍ كهذه.

المساهمون