رنّات الخلخال

09 سبتمبر 2014
يرافق الخلخال في شرق آسيا الطفلة منذ الولادة (Getty)
+ الخط -

مع كلّ خطوة لساقٍ تتزيّن بخلخال تُثار رنّات وحكاياتٌ كثيرة، تبدأ منذ فجر الحضارة إلى اليوم. تلك "الحلية" التي طالما ارتدتها النساء، تحديداً في شرق آسيا ومصر القديمة، تعرّضت للتحقير والتحريم، بعدما كانت جزءاً من طقوس دينية واجتماعية. غربياً، لم تنحسر شعبية الخلخال، بل اتجه نحو العالمية، وهو اليوم من أبرز حلي النساء الغربيّات، وتستعرض النجمات العالميات خلاخيلهن، كما يتفنّن مصمّمو المجوهرات في إبداعها.
إلا أنّ مخزوناً ثقيلاً يجرّه الخلخال خلفه في العالم العربي والإسلامي، إذ يُعتبر دينياً من المحرّمات، ويُحسب اجتماعياً عيباً، وأحياناً دليل انحراف، أو لفتاً متعمّداً لأنظار الرجال على أقلّ تقدير. من أين تأتي تلك النظرة المحقّرة للخلخال ومن ترتديه؟ في مصر القديمة ارتدت النسوة الخلخال من دون حكم مسبق أو ملحق، كان من أدوات الزينة، ولا تحتكره طبقة اجتماعية محددة.
في الهند وجوارها، حيث عاش الخلخال عصوره الذهبية، ولا يزال إلى اليوم، كان أحد مظاهر الطقوس الدينية واحتفالات الزواج، فقد زيّنت النساء الهنديّات سيقانهن به ليلة الزفاف، وحمّلن قطعه تعويذات لجلب البركة والخصوبة والسعادة، على أن يعتبر انقطاعه التلقائي دلالة نهاية شهر العسل، كما وضعه الهنود وجيرانهم لصغيراتهم تبركاً، أما المجلجل من الخلاخيل، فهو صامد لليوم في رقصات الاحتفالات الدينية، بصفتها زينة وآلة موسيقية أيضاً. ولكن، في فترة تاريخية ما، رُبط خلخالا الساقين بسلسلة (تشبه قيود أقدام العبيد) وذلك لسبب جمالي وليس "استعبادياً"، إذ قُصد منه ضبط خطوات المرأة لتكون متناسقة. عربياً، لم يتحرّر الخلخال من صفة الأسر، فهو اليوم محظور دينياً ومحتقر اجتماعياً. تقول آية من سورة النور: "ولا يضربنّ بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن"، وفيها تحريم واضح لصوت الخلخال، ولكنّ الفقهاء أفتوا باعتبار القدم عورة وزينتها حرام، وأجازوا أن ترتدي المسلمة الخلخال لزوجها فقط، لما توصم به أدوات الزينة عامةً من فتنة وإغواء. بعيداً عن الدين، يحظر المجتمع العربي الخلخال، أو يحدّ من وجوده، تحديداً في الأوساط المحافظة، بسبب ارتباطه بعالم الراقصات.
وقد قدّمت السينما العربية أمثلة كرّست الخلخال كأداة بهرجة وإغواء، تحديداً في خمسينات وستينات القرن الماضي، فارتبط بأقدام الراقصات و"الغوازي"، مثل خلخال "الغازيّة" هند رستم في "صراع في النيل"، و"الغازيّة" نعيمة عاكف في "خلخال حبيبي"، وخلخال اللعوب برلنتي عبدالحميد في "رنّة الخلخال"... يبدو أنّ أمطاراً كثيرة يجب أن تنهمر لتغسل هذا الطابع المحقّر للخلخال، حتى يعود إلى مساره التاريخي، بصفته حلية تزيّن الساق، كما تزيّن أخرى المعصم أو الرقبة.
في الانتظار، قد يحلو أن نتأمّل ملايين التصميمات التي أبدعتها شعوب العالم (من الهند إلى افريقيا إلى أميركا اللاتينية) لهذه الحلية، التي لشدّة جمالها، أخافت مجتمعات عريضة، فوصمتها بالعار والانحراف والتحريم.
المساهمون