رسالة إلى بينالي البندقية: الفن لا يحدث في الفراغ

29 فبراير 2024
في مخيم للنازحين في رفح (محمد عبد / فرانس برس)
+ الخط -

تحت عنوان لا لجناح الإبادة الجماعية في بينالي البندقية، وقّع آلاف الفنانين والقيميين والكتّاب، على رسالة مفتوحة تدعو إلى استبعاد إسرائيل من المشاركة في الدورة الستين لبينالي البندقية، وهي الدورة التي من المُقرر افتتاحها في 20 إبريل/نيسان المقبل.

يرى الموقعون على هذه الرسالة، أن وجود منصة رسمية لدولة مُتهمة بالإبادة الجماعية في بينالي البندقية، يمثّل تشجيعاً لها، وقبولاً ضمنياً بهذه الجرائم. تلفت الرسالة الانتباه إلى استمرار جيش الاحتلال الإسرائيل في ارتكاب هذه الجرائم، على الرغم من وصف محكمة العدل الدولية لها بالإبادة الجماعية، ومطالبتها بوقف هذا العدوان على وجه السرعة. يؤكد الموقعون على هذه الرسالة أن الصمت عن هذه الجرائم، ومرورها من دون محاسبة، يرسّخ الانطباع بأن إسرائيل وقادتها فوق القانون الدولي.

بينالي البندقية والتحيزات الجيوسياسية

يشير مضمون الرسالة إلى المركزية الأوروبية التي اعتمد عليها بينالي البندقية منذ تأسيسه عام 1895، واحتفاظه إلى اليوم بهذه التحيزات الجيوسياسية. غير أن البيان يُذكّر كذلك بحالات استثنائية اضطر فيها بينالي البندقة إلى اتخاذ مواقف قوية إزاء صراعات وأزمات دولية خارج القارة الأوروبية، بسبب المطالبات والضغوط التي مورست عليه.

بين هذه الحالات التي تشير إليها الرسالة، يبرز موقف بينالي البندقية من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. بسبب الإدانة العالمية واسعة النطاق لنظام الفصل العنصري، جُمّدت مشاركة جنوب أفريقيا في بينالي البندقية عام 1968، ولم يُلغَ هذا التجميد إلا بعد انتهاء حكم نظام الفصل العنصري عام 1993.

تأتي الرسالة أيضاً على ذكر المواقف القوية التي اتخذها بينالي البندقية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022؛ إذ صدرت عن البينالي وأمينته حينها، سيسليا أليماني، العديد من البيانات المنددة بهذا العدوان والداعمة لأوكرانيا. تذكر الرسالة بهذه المواقف الحادة التي اتخذها بينالي البندقية إزاء روسيا، والتي شملت وقف التعاون مع الداعمين للغزو الروسي من دول ومؤسسات وأشخاص.

يقول نص الرسالة إنه على الرغم من هذه المواقف الحادة التي اتخذها بينالي البندقية إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد التزم الصمت أمام الفظائع التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ما يشير إلى وجود ازدواجية مفزعة وغير مقبولة للمعايير. وقد اعتبرت الرسالة أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يشكل إحدى أعنف عمليات القصف في التاريخ، فخلال الشهر الأول من العدوان فقط، ألقت إسرائيل أطناناً من المتفجرات، تُعادل قوتها القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما في اليابان عام 1945.

تتطرق الرسالة في جانب منها إلى البيان الذي أصدره ممثلو الجناح الإسرائيلي، والذي يدعون فيه إلى "خلق مساحات حرة للتعبير والإبداع وسط كل ما يحدث". تُذكر الرسالة القائمين على الجناح الإسرائيلي بأن الفن لا يحدث في الفراغ، ولا يمكنه تجاوز الواقع أو التغاضي عنه. كما اعتبرت الرسالة أن مساحة الحرية والإبداع التي يشير إليها بيان القائمين على الجناح الإسرائيلي قد حُرم منها عشرات الشعراء والفنانين والكتاب الفلسطينيين الذين قُتلوا، أو سُجنوا وعُذبوا ومُنعوا من السفر إلى الخارج، أو حددت إقامتهم في الداخل. يذكّر البيان أيضاً بمساحات التعبير التي دمرها جيش الاحتلال إسرائيلي، وحولها إلى أنقاض؛ كالمتاحف والمكتبات والجامعات والمدارس التي حرم أصحابها من فرصة التعبير، ومرتادوها من التعلم.

جانب إنساني زائف

تأتي المشاركة الإسرائيلية في بينالي البندقية هذا العام تحت عنوان "الوطن... الأم"، وهو عمل تجهيزي للفنانة روث باتير، وهي فنانة أميركية انتقلت للإقامة في دولة الاحتلال إسرائيلي قبل عامين تقريباً. أطلقت الفنانة على الجناح الإسرائيلي اسم "جناح الخصوبة" وهي تعبر في عملها عن فكرة الولادة والأمومة المعاصرة عبر عدد من مقاطع الفيديو والتجهيزات البصرية.

تُشير الرسالة المفتوحة إلى هذه المفارقة المفزعة بين محتوى هذا العمل الذي تقدمه روث باتير، وما يحدث على أرض الواقع في قطاع غزة. تلفت الرسالة نظر مجتمع الفنون إلى أن إسرائيل قد أقدمت على قتل أكثر من 12 ألف طفل، وحرمت آلاف النساء الحوامل من الحصول على الرعاية الصحية أو الولادة بشكل آمن، حتى أن بعضهن قد خضعن لعمليات ولادة قيصرية من دون مخدر. وقد خلصت الرسالة في النهاية إلى أن أي تمثيل رسمي لإسرائيل على الساحة الثقافية الدولية هو تأييد لسياستها وللإبادة الجماعية في غزة.

المفارقة في عمل تلك "الفنانة" الأميركية الصهيونية، وكثير من الأعمال الفنية التي يشارك بها فنانون إسرائيلون، أنّها تتعمّد إظهار جانب إنساني زائف، يتناقض كلياً مع ممارسات دولة الاحتلال العنصرية، التي لا تنظر إلى الفلسطينيين على أنّهم بشر، بل هم مجرّد جماعات فاقدة للإنسانية، ليُسحب من نسائها معنى الأمومة، ويقتصر هذا المفهوم فقط على النساء المقيمات في دولة الاحتلال.

وقّع على هذه الرسالة المفتوحة مئات الفنانين من دول مختلفة، بينهم على سبيل المثال آدم برومبرغ، وهو مصور جنوب أفريقي مقيم في برلين، والفنانة والكاتبة البريطانية هانا بلاك، والأميركية صوفي يونغ. وقع على الرسالة أيضاً فيصل صالح مدير متحف فلسطين في الولايات المتحدة الأميركية، الذي استُبعد العمل الجماعي الذي تقدم به تحت عنوان "غرباء في وطنهم"، من المشاركة في المُسابقة الرسمية للبينالي.

في المقابل، ندّد وزير الثقافة الإيطالي جينارو سانجوليانو، الثلاثاء، بهذه الرسالة المفتوحة التي وقّعها آلاف الفنانين والمهندسين المعماريين وأمناء المعارض.

ودان وزير الثقافة الإيطالي الرسالة "غير المقبولة" و"المخزية" التي "تهدد حرية الفكر والإبداع"، وفق وصفه. وقال في بيان: "ليس لإسرائيل الحق في التعبير عن فنّها فحسب، بل من واجبها أن تقدّم أدلة لشعبها الذي تعرّض لهجوم مباغت من إرهابيين لا يرحمون". وأكد أنّ فعاليات بينالي البندقية "ستبقى دائماً مساحة للحرية والتلاقي والحوار لا للرقابة والتعصب".

المساهمون