رسائل من غزة: "هل نلتقي أم أننا سنموت مثل الياسمين"؟

06 يناير 2024
تتواصل حرب الإبادة على غزة منذ السابع من أكتوبر (مجدي فتحي/ Getty)
+ الخط -

يكتب الفلسطينيون رسائلهم من غزة حيث يتعرضون لحرب إبادة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ينعون أهلهم وأصدقاءهم وزملاءهم وجيرانهم وحيواناتهم... كما يقدمون لنا نظرة عن معنى أن تكون إنساناً يشهد على إبادة شعبه.

في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كتب الشاعر ناصر رباح من غزة: "أربعة آلاف.. أربعة آلاف.. أربعة آلاف.. ليسوا أربعة ولا أربعين ولا أربعمائة، أربعة آلاف يد ناعمة يلمسون الآن باب الله، رتل ملائكة صغار يغطون سماء الحياة، الحياة التي تبدو هرمة بلا أطفال، أربعة آلاف قبلة تائهة في الهواء، أربعة آلاف فراشة بيضاء بلا زهور تحط عليها، أربعة آلاف ماما لن تقال، أربعة آلاف بابا تفتت القلب صباح مساء، أربعة آلاف حذاء ملون تحت الأَسرة الفارغة، أربعة آلاف حقيبة مدرسية تحرس أحزان البيوت، أربعة آلاف شطيرة صباحية على الطاولات لن يأخذها أحد، أربعة آلاف دراجة معطلة على الطرقات، أربعة آلاف لن يعبروا باب المدرسة، لن يذهبوا لاحتفالات التخرج، لن يشتروا ملابس العيد، لن يكون لهم أصدقاء، لن يسألهم أحد عن أمنياتهم حين يكبرون، فقط جالسين للأبد جوار نهر الدموع. أربعة آلاف صورة على الحوائط، في جيوب أربعة آلاف أب يشربون اللوعة، عصافير جائعة على شبابيك أربعة آلاف أم ينقرون خبز القلب، أربعة آلاف رائحة لن تغادر وسائدهم، أربعة آلاف كتاب يتراكم عليها غبار الإشتياق، أربعة آلاف ضحكة أبدية تكسر زجاج الوقت، لن يكبروا، لن يغادروا المشهد الأخير، لن يخرجوا من تحت الركام، لن يجدوا سيارة إسعاف، لن يصلوا إلى المستشفى، لا مشيعين معهم في الجنازات، لا ورود على قبورهم، فقط أربعة آلاف في نشرة الأخبار".

وكان رباح قد كتب في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي: "هي حربٌ واحدةٌ أخرى وتمضي، هكذا قلتُ في الأيامِ الأولى لحربٍ سابقةٍ. في الأيامِ الأولى لم تكنْ تعني الحربُ ليَ شيئاً أكثرَ من مُجَرَدِ ضيفٍ ثقيلٍ سوفَ يأخذُ وقتَهُ ويمضي، حيثُ لا تشغَلُنا الحربُ في غزةِ كثيراً، فنحنُ في حربٍ دائمةٍ ويوميةٍ مع الحياةِ. حربٌ من أجلِ الكهرباءِ ومن أجلِ المياهِ، ومن أجلِ السفرِ ومن أجلِ فرصِ العملْ. لقد اعتادَت الحربُ علينا واعتدنا عليها، في غزة نذهبُ للحربِ كأننا ذاهبونَ لنشجّعَ فريقَنا في لعبةِ الكرة، نهتفُ ويشتدُ صُراخُنا كلّما أحرزنا شهيداً إضافياً أو هُدِمَ لنا بيتٌ آخرْ. نحن في غزة مصابون بهستيريا الشهادةِ، فلم يَعُد لدينا شيءٌ نُقدِمُهُ لحياتِنا البائسةِ سوى الموتْ، لذا نذهبُ إليه باحتفاليةٍ كبيرةٍ وبضجةٍ مُبالغَ فيها".

وفي 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كتبت الشاعرة مريم قوش من غزة: هل نلتقي لو أن هذي الحرب يوماً تنتهي؟ هل نلتقي في شارعِ المختارِ، في حيِ الرمالِ أو الكرامة؟ هل نلتقي، في دهشةِ الكورنيش نرشفُ شايَنا، والفستقُ الحلبيُّ يروي ما تبقّى من قشيبٍ للغيمِ شوقًا لليمامةْ؟ هل نلتقي لو تنتهي هذي الحروبُ بذلك المقهى العتيقْ نطلُ نحو كنيسةٍ ألقت على كاتبْ ولايةَ دهشةَ الدمعِ الأنيقْ؟ ونعودُ نحملُ كل أسرارِ البنفسجِ للمخيمِ: إننا عدنا! كأنا لم نغادرْ لحظةً هل نلتقي؟ أم أننا سنموتُ مثل الياسمينِ بحارةِ النسيانْ؟ هل نلتقي؟ أم أن لُقيانا خيالُ الماءِ في وجعِ البريقْ؟". 

الرسائل نشرتها صفحة مؤسسة العمل للأمل على "فيسبوك".

المساهمون