"كان محمود ياسين قادراً على سرقة الكاميرا بطرفة عينه"، على حد وصف المخرج حسام الدين مصطفى. ففي فيلم "سونيا والمجنون" ــ المأخوذ عن رواية "الجريمة والعقاب" للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي ــ لعب دور "راسكولينكوف" الذي قتل المرابية العجوز، بينما أدى زميله الراحل نور الشريف دور المحقق.
وفي مشاهد الحوار التي جمعت ياسين والشريف، كان مطلوباً من الأخير استلام دفة الحوار، ليرد الأول بكلمات معدودة. وأذكر أن مخرج الفيلم حسام الدين مصطفى ذكر لي أنه رغم قوة أداء الشريف وفهمه العميق لأبعاد شخصية المحقق، إلا أن ردود ياسين المقتضبة كانت قوية ومؤثرة إلى درجة سرقة الكاميرا من زميله.
وهذا الحضور المميز الذي تمتع به ياسين مزجه مع اندماج معمق في شخصياته، إذ هناك واقعة أخرى ذكرها حسام الدين مصطفى عنه، بعد مشاركته في فيلم "غابة من السيقان" أمام ميرفت أمين ونيللي.
لعب محمود ياسين في "غابة من السيقان" دور المحامي المتزوج المؤمن بالقيم والمبادئ والمثل الذي ينزلق في علاقة آثمة مع ميرفت أمين المتزوجة. وصراعه الداخلي بين رغباته وضميره يودي به إلى الجنون في نهاية الفيلم.
وقد أدى الدور بمتعة وبراعة. لكن المخرج فوجئ بعد انتهاء التصوير بأسبوع باتصال من الفنانة شهيرة، زوجة محمود ياسين، تستنجد به، قائلة إن زوجها أصابه انهيار نتيجة معايشته لتلك الشخصية.
انطلق محمود ياسين في السينما وتألق في السبعينيات ــ الفترة الذهبية لمجده السينمائي ــ حين لم ينافسه أحد. وانهالت عليه العروض السينمائية، بعدما اختاره المخرج الكبير حسين كمال والفنانة الراحلة شادية للمشاركة في بطولة "نحن لانزرع الشوك".
وكان قد لفت نظر كمال للأداء الجيد الذي لعبه في دور صغير أسنده له في فيلم "شيء من الخوف".
هذه التقدمة الهامة لمحمود ياسين مهدت لاختيار فاتن حمامة له في فيلم "الخيط الرفيع" من إخراج هنري بركات، وتأليف إحسان عبد القدوس، وإنتاج رمسيس نجيب. يُعّد هذا الفيلم باكورة أفلام فاتن حمامة بعد العودة للسينما عقب فترة انقطاع كانت فيها خارج مصر.
ويمكن القول إن مشاركة ياسين في "الخيط الرفيع" كانت بداية حقبة جديدة في مسيرته الفنية، إذ أصبح الفتى الأول في السينما المصرية، ومهدت لذلك عوامل عدة محيطة، منها حالة الخيبة والاشمئزاز بعد هزيمة 1967 التي طاولت مناحي الحياة كافة، ولم تستثن نجوم السينما والغناء.
إذ بدأ نجم أحمد رمزي كمثال يخبو. عمر الشريف سافر إلى الولايات المتحدة حيث أصبح ممثلاً عالمياً. كما كان كل النجوم الموجودين قبل النكسة قد تجاوزت أعمارهم مرحلة الشباب.
وهكذا، لمع نجم محمود ياسين بسرعة البرق. وساعده في ذلك طوله ونحافة جسده وصوته الرخيم وملامح وجهه الخمرية ونظرة عيونه الحزينة التي تمتلئ طموحاً وجرأة لا تلغي نوعاً من الاستحياء.
كان ياسين في الكثير من أيام عزه يصور أكثر من خمسة أفلام في يوم واحد. وتعامل مع كبار المخرجين أمثال صلاح أبو سيف وحسام الدين مصطفى وحسين كمال وكمال الشيخ وأحمد يحيى. ووقفت أمامه كل نجمات مصر حتى ليلى مراد، إذ رغم اعتزالها وافقت على الغناء في مسلسل إذاعي من بطولته هو ونجلاء فتحي.
وبرحيله، فقدت الحياة الفنية ممثلاً كبيراً منحنا الكثير من البهجة والمتعة والشباب.
توفي محمود ياسين يوم الأربعاء، عن عمر ناهز 79 عاماً، بعدما أبعده المرض (ألزهايمر) لسنوات عن الفن والحياة العامة.