يضيف رحيل المخرج السوري بسام الملا اليوم السبت مشكلة أخرى إلى الدراما السورية التي تلملم أزماتها، إذ خسرت مسلسلات "البيئة الشامية" واحداً من أفضل المخرجين الذين وضعوا أسساً لهذا النمط وأسهموا في رفع مستوى المنافسة عربياً لإنتاجات الدراما السورية.
خرج بسام الملا مطلع التسعينيات بخط جديد لم يكن مشابهاً لأبناء جيله من المخرجين؛ محاولة مختلفة في المزج بين واقع الدراما السورية وبيئتها الأصلية، والواضح أن الملا كان مولعاً بالحي الدمشقي العتيق، لما يمثله من "نوستالجيا" (حنين) للمشاهد، وتمكن بالفعل من تحويل الأنظار عن الإنتاجات الموازية له التي قدمها زملاؤه، ومنهم المخرج هشام شربتجي، في أعمال كانت أقرب إلى الفكاهة أو الكوميديا، لتنشأ مع ذلك وحدة خاصة لما أصبح معروفاً اليوم بمسلسلات "البيئة السورية".
لم تكن سكة الملا متوجة بالنجاح الكامل. لكن على الرغم من الانتقادات التي طاولت مسلسل "العبابيد" (1997) التاريخي، أصر الملا على السير على النمط ذاته، مقتنعاً بأن النجاح يتحول أحياناً إلى نقاط نسبية، لكنه لم يعترف يوماً بذلك، ليعود سنة 2004 متسلحاً بواحد من أفضل الأعمال التي شكلت قفزة للنص والقصة، في "ليالي الصالحية" (كتابة أحمد حامد) الذي حصد جوائز كثيرة، وكان الخطوة الأولى لنجاح الممثلة كاريس بشار جماهيرياً، وهي التي تعترف دوماً بفضل هذا الدور على مسيرتها، وتكرار التجارب في سيناريوهات مختلفة مع الملا، كان آخرها "سوق الحرير" (فكرة بسام الملا وإخراجه، بالاشتراك مع شقيقه مؤمن، وكتابة حنان حسين المهرجي).
تزداد فصول إنتاجات الملا الذي أنشأ شركة "ميسلون" وتحول إلى منتج منفذ في معظم الأعمال التي صورت قبل الحرب السورية، وطبعت ذاكرة الدراما السورية إلى اليوم.
لا نبالغ لو قلنا إن اسم مسلسل "باب الحارة" كان مرادفاً في السنوات الأخيرة لآل الملا، لكن هذا النجاح الذي حصده كان مصدراً لنزاعات كثيرة لا تزال عالقة في المحاكم السورية حتى الساعة. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن شركاء الملا في "باب الحارة" أصروا على استغلال النجاح، وسعوا لإعادة إنتاجه حتى وصل إلى 11 جزءاً العام الماضي، بعدما تبرأ الملا منه بعد عامه السابع، ونشط على خط الإنتاج السوري السعودي الذي دفع مجموعة "إم بي سي" إلى استغلال أو توظيف نجاح المخرج السوري لصالحها.
وعلى الرغم من الانقلابات التي واجهتها الدراما السورية خلال سنوات الحرب، وحتى اليوم، ظلّ بسام الملا أسيراً لتلك الصورة البهية عن دمشق وتاريخها، ولا يمكن إغفال محاولاته رغم الإخفاقات التي لم تثنه عن المتابعة، باحثاً عن كل ما يثبت يقينه بأن هذا اللون من الدراما السورية له أربابه وجمهوره في العالم العربي، ولو غلبته أحياناً سلطة المال والمحسوبيات التي تعاني منها الدراما العربية عموماً.
يرحل بسام الملا أمام تخبط واضح في الأعمال السورية المحلية، وهجرة الكتّاب والمخرجين والممثلين إلى بيروت ودبي. ويفتح برحيله عشرات الأبواب والأسئلة التي تبحث عن إجابات حول مستقبل وفرادة الدراما السورية، وتحديداً "البيئة" التي تركها صانعها ومضى.