راسل كرو في "كلاب نائمة": براعةُ أداء رغم كلّ شيءٍ

08 مايو 2024
راسل كرو: براعة تمثيل في تقديم شخصيات (أنجيلا وايس/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- راسل كرو واجه انتقادات حول تراجع أدائه منذ "المُجالِد"، لكن تقييم مسيرته يتطلب تحليلًا أعمق لأدواره المتنوعة.
- اختيار كرو لبطولة "كلاب نائمة" يُعد خطوة إيجابية، متوقعًا أن يُظهر براعة في دور مُركب يتناسب مع خبرته.
- في "كلاب نائمة"، يُقدم كرو أداءً مُذهلاً في دور محقق يعاني من الألزهايمر، مما يُبرز قدرته على التأثير العميق ويُعزز فرص الفيلم في النجاح.

 

يعيب نقّاد سينمائيون على راسل كرو تراجع أدائه في الأعوام الأخيرة، تحديداً منذ دوره المختلف في "المُجالِد" (2000) لريدلي سكوت، الذي وضعه في مصاف الممثلين الموهوبين الأكثر تأثيراً في هوليوود. لكنّ قولَ النقّاد هذا يبقى حديث ليلٍ يمحوه النهار. فالرأي وحده غيرٍ كافٍ لتقديمٍ حقائق عن شخصية، فرضت نفسها بقوّة أدائها وحركتها، لأنّ المسألة رهنٌ بتقديم تحليل مُستفيض، يطرح أدواره في أفلامه المُنتقِدة، وتفكيك ميكانيزمات الأداء، لمعرفة العطب الكامن في ذلك.

من يعُد إلى أفلامٍ أخيرة له، يجد أنّ سيناريوهاتها غير قويّة، ولا تتمتّع بجاذبية بصرية، أو استفزازٍ سينمائي، يجعل الممثل يُقدّم أداءً مختلفاً للشخصية. السيناريو عامل فنّي مُساعد للممثل، ليُحقّق حضوراً ويصنع بهجة. والنصّ يرسم للممثّل بنية تخييلية وقاعدة سينمائية ليتمكّن منْ أنْ يبني في ذاته ملامح الدور، قبل بدء التصوير.

لكنّ اختيار راسل كرو لتأدية الدور الأساسي في "كلاب نائمة" (2024)، للراقص والمخرج آدم كووبر، موفّق في الكاستينغ، رغم أنّه يطرح أسئلة كثيرة عن براعته في أداء أدوار مركّبة كهذه، وقدرته على تقديم جديدٍ سينمائي يُعوَّل عليه جماليّاً. الاختيار رهنٌ بمدى قدرة جسد الممثل على أداء دورٍ يليق بالشخصية، فالأدوار الساقطة من فوق لا تُحقّق أيّ تأثير على الممثل. لذا، يبدو الدور الجديد (روي فريمان) أنضج وأكثر ملاءمة مع عمره وتاريخه وذاكرته. دور مُركّب، يقترب من "عقل جميل" (2001) لرون هاورد، يجعل الممثل أنضج في التعامل مع هذه الأدوار، مُعطياً إياه قيمة مضافة، تجعله يخرج من شخصيات كثيرة لم ينجح في تأديتها، بسبب هشاشة النصّ وارتباكه.

في "كلاب نائمة"، مُحقّق استخباراتي يفقُد ذاكرته بسبب ألزهايمر، ويتورّط مجدّداً في تفكيك جريمة قتل شارك فيها. مُضطرّ الآن إلى تفكيك ملامحها وخيوطها، كي لا يُعدَم مُتّهم بارتكابها. لأنّها مصابة بألزهايمر، تجد الشخصيةُ القضيةَ أداة تحرير للخيال وتنشيطٍ للذاكرة، عبر صُوَر ومشاعر واستيهامات وخيالات. في بدايات جديده، يبسط كووبر الحكاية بطريقةٍ رتيبةٍ، تُتيح للمُشاهد معرفة أحوالها، محاولاً بناء قاعدةٍ بصريّة لما ستتأتى عليه لاحقاً عملية الفهم.

 

 

تُصوّر المَشاهد معاناة الشخصية مع المرض، وطريقة عيشها، والألم الذي يُحدثه إرسال الأشعة إلى الدماغ. في غالبية المشاهد الأولى، يُقدَّم الفيلم كأنّه مؤسّسٌ على الأداء. فالصُوَر لا تقول شيئاً، والألوان الطبيعية تُحاول القبض على صورة مُبهمة، تضع المُشاهد في النسق البصري لاكتئاب الشخصية.

يبدو أداء كرو ثقيلاً ومُذهلاً في تقديم شخصية المريض، مع أنّ مَشاهد وحركات تتكرّر. الصورة السينمائية تُضمر أكثر ممّا تُظهر، وتُقدّم ـ وفق طريقةٍ مينيمالية ـ بعض أنفاس الفيلم، من دون الإعلان عن وجوده الحقيقي. الرغبة في البحث عن جماليات سينمائية مُبتكرة بارزةٌ في أكثر من مشهدٍ، لكنّ بساطة السيناريو وتكرار الفضاءات لا يُعطيان لكووبر إمكانية اجتراحٍ أفق سينمائي مُختلف. لاحقاً، يكشف الحوارُ المستورَ، بما يُقدّمه من ملامح للشخصيات، فاضحاً أسرارها. جسد الممثل يصبح المختبر البصري الذي منه ينكشف كلّ شيء. إنه جسد مفتوح يُنتج الصُوَر، ويراكم الخيالات، ويُبدع المشاعر، إلى درجةٍ تبدو فيها الشخصيات الأخرى مساعدة في تقديم الحكاية لا أكثر.

تتكرّر هذه الطريقة في أفلامٍ سينمائية هوليوودية كثيرة، خاصّة حين يكون كلّ شيء رهن أداء الممثل، لأنّه يحمل عناء الفيلم بجسده، ويبتكر بطريقةٍ خفيّة حركات وصُوَر. هذا نوعٌ يحاول فيه المخرج الاستفادة بقوّة من شعبية الممثل وشهرته وتأثيره على الفرد. لذا، تُكتب الأفلام خصّيصاً بوجوهٍ إيقونية في السينما الأميركية. وجود راسل كرو في فيلمٍ كافٍ للبحث عن مشاهدين جدد، وقابل للحصول على جوائز، لأنّ له باعاً طويلاً في السينما الأميركية، وقدرة كبيرة على التأثير في المُشاهد. للتشويق بُعدٌ مركزيّ، كما في بقية الأفلام الهوليوودية. لكنّه هنا أكثر اتصالاً بعنصر الحكاية، إذْ لا يرتبط بأداء الممثل فقط، بل بقدرته على خلق نسقٍ تخييلي يشُدّ المُتلقّي، ويجعله سادراً في مكانه، محاولاً ترميم الحكاية في ذهنه، وتتبّع أنماط الصُوَر والمسار التراجيدي الذي تقطعه الشخصيات.

المساهمون