راب في الصين... الحزب الشيوعي يحارب شيخوخته

راب في الصين... الحزب الشيوعي يحارب شيخوخته

08 أكتوبر 2023
حقّق المغني غاي شهرة كبيرةً عبر برامج تلفزيون الواقع عام 2018 (Getty)
+ الخط -

بعد سنين طويلة من التجاهل والإقصاء، استعانت رابطة الشبيبة الشيوعية في الصين لأوّل مرة بمغن لموسيقى الراب في احتفالاتها، وذلك ضمن مساعي الحكومة لنشر أفكارها وأيديولوجيتها بين الشباب، بحسب مجلة ذا إيكونوميست الأميركية.
وشاركت رابطة الشبيبة الشيوعية في مطلع أكتوبر/ تشرين الأوّل الحالي رسالة مع ما يقارب من 18 مليون متابع على موقع ويبو للتدوينات القصيرة، قالت فيها: "اليوم، كأبطال هذا العصر، سنكتب أساطير جديدة على هذه الأرض المقدسة!"، مع مقطع من أغنية موسيقية مليئة بعبارات وطنية مماثلة، تتخلّلها مقاطع من خطابات الزعيم الراحل ماو تسي تونغ والحالي شي جين بينغ. أمّا المفاجأة فكانت باختيار مغني الراب غاي، الذي اعتبرت أغانيه الأولى عن العنف والمخدرات غير صالحة للبث الجماهيري، قبل أن يتحوّل الآن إلى النجم الجديد للرابطة.
ويشكل الجناح الشبابي في الحزب الشيوعي الصيني، منظمّة واسعة تلعب دوراً كبيراً في الحياة السياسية في الصين، فمن جهة يُلقِّن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و28 عاماً أيديولوجية الحزب، كما يوفر الأرضية لتدريب الأعضاء الجدد، ويساعد قيادة الحزب على تحديد المواهب التي يمكن إعدادها لتولي مناصب عليا. بالإضافة إلى ذلك يتولى نشر عقيدة الحزب الشيوعي وأفكاره بين الشباب الذين لا يملكون انتماءات سياسية. أمر دفع بالرئيس الصيني الحالي للتعبير عن قلقه من تراجع حضور رابطة الشبيبة الشيوعية وتأثيرها، داعياً إلى بذل مزيدٍ من الجهود للتواصل مع فئة الشباب في البلاد.
بحسب "ذا إيكونوميست"، فإنّ الشباب يمثلون مشكلة متنامية للحزب، فالاقتصاد في حالة ركود والبطالة منتشرة بينهم فيما يتواصل ارتفاع تكاليف الحياة والسكن. في أواخر العام الماضي اندلعت احتجاجات صغيرة بقيادة الشباب في مدن عدّة، كانت تهدف لوقف العمل بالإجراءات الصارمة المرافقة لانتشار فيروس كورونا. من بين هؤلاء، قامت مجموعة صغيرة بتوجيه رسالة غير عادية تدعو الرئيس للتنحي عن منصبه. بطبيعة الحال، أزعج ذلك الرئيس، الذي يذكر جيداً الاضطرابات المؤيدة للديمقراطية عام 1989، عندما انضم بعض كوادر الرابطة إلى المتظاهرين. كما أنّه كثيراً ما يستحضر ذكريات انهيار الاتحاد السوفييتي، ويلقي باللوم على انهيار العقيدة الأيديولوجية والانضباط.
انعكس ذلك، في خطبة لشي عام 2015، قال فيها: "لا يهم إذا ارتكبت رابطة الشبيبة الشيوعي آلاف الأخطاء، لكن الخطأ الوحيد الذي لا يمكن أن ترتكبه هو الانحراف عن مسار الحزب".
في يونيو/ حزيران الماضي، قال شي جين بينغ إنّ رابطة الشبيبة الشيوعية اكتسبت "صورة جديدةً تماماً"، منذ توليه السلطة في العام 2012. لكن، وفي الشهر نفسه، أعلن رئيس الرابطة، آ دونغ A Dong إن "الروح القتالية وقدرات المنظمة تحتاج إلى تطوير عاجل" لمواكبة "التغيرات العميقة والمعقدة" في الداخل والخارج. ومن المتوقع أن ينعكس ذلك في الاستمرار بالإصلاحات الشاملة التي بدأتها الرابطة عام 2016، وتتنوّع بين تقليص إدارتها المتضخمة وتعزيز حضورها على المستوى الشعبي وتشديد الضوابط على العضوية.
لتحقيق ذلك، تعمل الرابطة على تحسين مهاراتها الترويجية والدعائية، وهو السبب الذي دفعها للاستعانة بمغن مثل غاي، واسمه الحقيقي تشو يان. بعد صعوده السريع للنجومية عام 2018 من خلال برامج تلفزيون الواقع، تنبأ الناشطون على منصات التواصل الاجتماعي الصينية أنّ حضور غاي سيتقلص. بالفعل، وخلال العام نفسه، أصدرت الحكومة قراراً يأمر مقدمي البرامج بعدم استضافة الفنانين الذين يعبّرون عن ثقافة الهيب هوب أو يملكون الوشوم، مثل غاي.
آنذاك، عنونت صحيفة غلوبال تايمز الشعبية: "آفاق مظلمة لموسيقى الهيب هوب في الصين بعد إقصاء مغني الراب من البرامج التلفزيونية". لكن سرعان ما ثبت خطأ توقعات الصحيفة، وبدأت رابطة الشبيبة الشيوعية بالاستعانة بمغني الراب، ومن ضمنهم غاي، لجذب الشباب في البلاد.
وروّجت الرابطة العديد من مقاطع الفيديو لعدد كبير من المغنين المحبوبين في أوساط الشباب عبر حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي. في أغسطس/ آب من العام الماضي، كانت الإدارة المركزية لرابطة الشبيبة تدير 26 حساباً مع إجمالي أكثر من 200 مليون متابع، وفقاً لصحيفة تشاينا يوث ديلي، الصادرة عنها. وقال التقرير إن الحساب الرئيسي للرابطة على تطبيق ويتشات لديه 110 ملايين متابع، ممّا يجعله أحد أكبر الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي.
كذلك، بدأت الرابطة تشير إلى نفسها باسم توان توان (tuantuan). في اللغة الصينية، يؤدي تكرار المقطع الصوتي إلى إعطاء الاسم صبغة لطيفة، وهي الطريقة المتبعة لاختيار أسماء حيوانات الباندا.
اليوم، تستعمل الحكومة الصينية الرابطة بشكلها الجديد للترويج للقومية الصينية على الإنترنت ولإغراق منصات التواصل بالانتقادات للغرب ولأي شخص في الصين لديه آراء سلبية تجاه الحزب الشيوعي، وفقاً لـ"ذا إيكونوميست". ووجّهت حسابات الرابطة انتقادات لاذعة للصحافيين الغربيين، كما هاجمت المنشقين واتهمتهم بالسعي لتفجير "ثورات ملونة" في البلاد، كما روّجت لمعلومات وأخبار كاذبة. عام 2021، روجت الرابطة لنظرية مؤامرة مفادها أن الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19 قد طوّر في مختبر عسكري أميركي في فورت دتريك في ولاية ماريلاند. وشوهد الوسم الذي أنشأته الرابطة على منصة ويبو لنشر هذه القصة أكثر من 1،4 مليار مرة، أي بمعدل مرّة واحدة لكل شخص في الصين.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

أمّا مؤخراً فأثارت تعليقات الرابطة غضباً شعبياً ضد اليابان بسبب إطلاقها المياه المعالجة من محطة فوكوشيما النووية التي دمرها تسونامي قبل 12 عاماً، متجاهلةً أن الخطوة اليابانية تحظى بدعم العديد من العلماء والباحثين في دول مختلفة حول العالم. لا شك أن الخطاب القومي يثير حماس العديد من الشباب في الصين، لكن من غير الواضح إلى أي مدى يساعد وجود الرابطة على الإنترنت في تجنيد الأشخاص الذين تقول إنها بحاجة إليهم لإنشاء مخزون من "الدماء الجديدة الصحية والحيوية" للحزب. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن العضوية انخفضت بنحو 20% منذ أصبح شي جين بينغ زعيماً للصين. مع ذلك فإن ثلث الصينيين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و28 عاماً، أي نحو 74 مليون شخص، هم أعضاء في رابطة الشبيبة الشيوعية. تهدف إصلاحات الرئيس إلى جعل الرابطة أكثر نخبوية، فطُلب من المعلمين عدم تسجيل كافة طلاب الصفوف التي يعلمونها إلى الرابطة كما كان يحصل في السابق، وحدّدت أعداد محدّدة للطلاب الذين يمكن ضمّهم من كلّ مدرسة. في الوقت نفسه تحاول الرابطة توسيع انتشارها في الشركات الخاصة والمنظمات غير الحكومية. منذ مطلع العام 2018 وصولاً إلى مطلع العام 2022، تضاعف عدد فروع الرابطة في الشركات الخاصة أكثر من ثلاثة أضعاف ليصل إلى أكثر من 300 ألف فرع.
قد يبدو حرص شي جين بينغ على تعزيز نفوذ الرابطة متناقضاً مع الاعتقاد السائد بأنّه قضى جزءاً من فترته في السلطة في صراع مع كبار القادة الذين خدموا ذات يوم في مناصب عليا فيها. غالباً ما يشار إلى هؤلاء المسؤولين على أنهم أعضاء في "توانباي"، أو "عصبة الرابطة "، لكنّهم صاروا اليوم أكثر هامشية من السابق. بالنسبة للرئيس الصيني، فإن الرابطة تملك دوراً أساسياً لتلعبه، وهو ما عبر عنه في خطاب لكوادرها قبل قرابة عقد من الزمن. آنذاك، حذّر الرئيس الصيني من "صدام أيديولوجيات" عالمي ينطوي على جهود متواصلة من جانب "قوى معادية محلية وأجنبية" لتغريب الصين وتقسيمها، ورأى أنّ ذلك يزيد من ضرورة تزويد الشباب الصيني "بالتوجيه القوي" بشأن مُثُلهم ومعتقداتهم.

المساهمون