أثارت مباركة وكالة الفضاء المصرية "بكل فخر" لأول رائدة فضاء مصرية، سارة صبري، جدلاً واسعاً بين المتخصصين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حول ما إذا كانت بالفعل أول رائدة فضاء أم أنّ ما يجري ابتذال للقب، في ظل هاجس لا يزال متفاعلاً يخص أزمة رسومات غادة والي على جدران محطات مترو القاهرة، والمسروقة من فنان روسي، بعد ضجة صاحبت ظهور الرسامة وصعودها وتكريمها رسمياً باعتبارها نموذجاً يحتذى للفتاة الناجحة.
وجاءت مباركة الوكالة المصرية عقب إعلان شركة "بلو أوريجين"، وهي شركة سياحة فضائية مملوكة لمؤسس شركة "أمازون" والملياردير جيف بيزوس، قبل أيام عن الطاقم الذي سيسافر في مهمتها NS-22 ومن بينهم سارة صبري لتكون أول رائدة فضاء مصرية وذلك برعاية مؤسسة Space for Humanity ضمن طاقم الرحلة الـ22 للشركة إلى الفضاء على متن صاروخها New Shepherd.
أسفل الخبر المنشور على صفحة الهيئة المنشأة حديثاً، جاء تعليق ساخر لعالم فضاء مصري باليابان هو الدكتور محمد علي حسن قائلاً: "عيب يا وكالة الفضاء المصرية أن يصدر عنك هذا البيان، واعملوا حساباً ليوم من الأيام سيكون عندنا بإذن الله أول رائد فضاء حقيقي، طيب ساعتها ماذا ستقولون على موضوع سارة؟".
وتابع حسن في تعليق له على صفحته في "فيسبوك": "الحقيقة هي أن سارة صبري أول (سائحة) فضاء مصرية وليست رائدة فضاء أساساً، ومقعد سارة في الرحلة السياحية دفعت ثمنه منظمة الفضاء من أجل الإنسانية والرحلة كلها على بعضها دقائق معدودة منها أقل 3 دقائق بالقرب من خط كارمان (100 كم من سطح البحر) وباقي الدقائق ما بين الصعود بصاروخ وهبوط السياح بكبسولة معلقة بمظلات".
ومضى بالقول: "للتبسيط وليس السخرية، السياحة الفضائية تعني أنّ شخصاً مثل حمو بيكا ـ مطرب شعبي محدود التعليم ـ يمكنه المشاركة في رحلة لو اشترى تذكرة".
وفي مقال سابق له بمجلة التقدم العلمي يرجع تاريخ نشره لعام 2019، أوضح العالم المصري أنّ "السياحة الفضائية تعني السفر إلى الفضاء الخارجي لأغراض ترفيهية أو ترويحية أو تأمل منظر كوكبنا الأزرق من الفضاء أو حتى الاسترخاء في ظروف فريدة من نوعها، وهي انعدام الجاذبية أو بجاذبية جزئية، في سياحة باتت محل أنظار رجال الأعمال أولاً ثم السياح الراغبين في تجربة سياحية جديدة ربما تتاح لهم مرة واحدة في العمر، ومعنى ذلك أنّ السياحة الفضائية لن تكون لأغراض علمية، وأن الزبائن ليسوا سوى ركاب عاديين لا يكلفون بأي نشاط علمي خلال تلك الرحلات".
الوكالة تردّ
وردّت وكالة الفضاء المصرية على تعليق العالم المصري بالقول إنها تفخر بالمهندسة سارة صبري التي اختارتها الشركة من بين عدد متقدمين كبير جداً، أما التي قامت بمنحها لقبها كونها رائدة فضاء فهي شركة "بلو أوريجين" كونها أول مصرية تزور الفضاء وهو حدث لم يتم من قبل، وأكدت الوكالة أنّ بيانها لم يذكر أنّ صبري ذاهبة في مهمة فنية للفضاء، وأن نشر الإعلان بكل فخر بابنة مصر، لتوضيح أنّ الوكالة تقوم بالتهنئة فحسب.
ولم يترك محمد علي حسن الردّ دون تعقيب، إذ قال: "أكيد أنكم تفهمون أن إطلاق بلو أوريجين على كل السياح الذين ركبوا معهم لقب رواد فضاء غير حقيقي، وإنما لجذب مزيد من الزبائن والمكاسب المادية، ببساطة لو سارة رائدة فضاء، إذن فنصف عدد البشر -4 مليارات- طيارون لأنهم ركبوا الطائرات ولو لمرة واحدة فى حياتهم".
وطالب حسن وكالة الفضاء المصرية بالبحث عن اسمه للتيقن من صفته وقدره العلمي، مضيفاً: "ستجدون أنني انتُدبت للعمل في مشروع الفضاء المصري لمدة عام تحديداً 2004 قبل العودة لوكالة الفضاء اليابانية، وربما يوجد بعض قيادات وكالة الفضاء المصرية ما زالت تتذكرني فرجاء تقبلوا النصيحة حتى لا تفقدوا الثقة وأنتم في البداية وتقبلوا تحياتي".
واعتبر مهندس البرمجيات الذي يعمل بإحدى الشركات الشهيرة بالولايات المتحدة أحمد سلام أنّ صيغة التهنئة، ومصدرها، هو ما أثار حفيظة الكثيرين لا سيما من لديهم خلفية علمية أو المصريين الذين يعيشون في الغرب.
وتابع بالقول على صفحته الشخصية في "فيسبوك": "عنوان الخبر جعل البعض يتساءل عن تعريف رائد الفضاء، بالمفهوم المصري وهل كل من ركب رحلة فضاء سياحية صار رائد فضاء؟".
وأوضح سلام أنّ "الرحلات بلا هدف علمي استكشافي أو بحثي هي رحلات سياحية ترفيهية، لذلك صار مثيراً للتعجب دخول وكالة الفضاء المصرية على الخط بالتهنئة بصيغة تطلق لقب رائد فضاء مصحوبة بمصطلح رحلة إلى الفضاء".
جدل الإعلام والمغردين
ودفع انتشار الخبر على صفحات نسائية تحتفي بصبري الإعلامي المقرب من السلطة عمرو أديب لإجراء مداخلة هاتفية معها، وبدا لمتابعي البرنامج أنه حاول المراوغة قدر الإمكان لكي يبدو محايداً بين المتجادلين، فقسم الفقرة الخاصة بها نصفين؛ الأول عبارة عن مقدمة يقول فيها حقائق معروفة عن سياحة الفضاء وعمن يدفعون أموالاً طائلة لزيارة الفضاء، مشيراً إلى أنّ صبري هي أول فتاة مصرية تزور الفضاء، فيما جاء النصف الثاني من الفقرة عبارة عن مداخلة تقول فيها ما تشاء على مسؤوليتها.
وشكك مغردون في مؤهلات صبري والبرامج التي حصلت عليها، مستدعين أزمة الرسامة غادة والي، وفيما اعتبرها مغردون نموذجاً مختلفاً غير مختلق للوقائع خلاف والي، وأنّ ما ورطها بالفخ عبر النفخ في صورتها هو صفحات نسائية، قال آخرون إنّ الفتاة تعمدت تضخيم مؤهلاتها، وهو الأمر الذي نفاه مغردون مؤكدين أنّ مؤهلاتها بالفعل كبيرة و"مصروف عليها".
وفي تعريفها لنفسها، جاء في السيرة الذاتية لها أنها خريجة قسم الهندسة الميكانيكية بالجامعة الأميركية، وحاصلة على تدريب في هندسة الفضاء، وخاضت تجربة محاكاة فضائية، كما أسست مؤسسة تسمى "مبادرة الفضاء العميق"، وهي تحاضر عن الفضاء وأهميته في حياة الإنسان في جامعة اسمها جامعة المريخ، ثم حصلت من منظمة "الفضاء من أجل الإنسانية" على تذكرة الرحلة.
ووكالة الفضاء المصرية هي هيئة عامة اقتصادية مصرية، لها شخصية اعتبارية وتتبع رئيس الجمهورية، أُنشئت بالقانون رقم 3 لسنة 2018، وتهدف إلى استحداث ونقل علوم تكنولوجيا الفضاء وتوطينها وتطويرها وامتلاك القدرات الذاتية لبناء الأقمار الصناعية وإطلاقها من الأراضي المصرية.
أما "بلو أوريجين" فهو برنامج لساحة الفضاء ضمن ثلاثة برامج، ينافس "سبايس إكس" و"فيرجن غالاكتيك".