دلين جبّور في "تجليات"... القلب يعشق كلّ أصيل

19 ابريل 2022
كان العرض قائماً على صوتيات المكان الذي احتضنه (مكتب الفنانة)
+ الخط -

لا يمرّ رمضان في مدينة صيدا اللبنانية إلا ويضفي لمسة حياة جديدة على أزقتّها وقناطرها الحجرية، وكأن المدينة تستيقظ بعد سبات طويل، مسترجعة ليالي السهر الشعبي والجو العائلي. موازاة لذلك، تلبس المدينة القديمة ثوباً جديداً باستقبالها فعاليات ثقافية وفنية، حضورها لا يقتصر على روّاد من أهل المدينة. فالمكان يصبح مقصداً لوافدين من بيروت وغيرها من المناطق اللبنانية، منهم من يزور المدينة للمرة الأولى، ليدهش بجمال عمارتها التاريخية التي تحوي مساحات تحوّلت لفضاءات ثقافية. وليل الثالث عشر من الشهر الحالي، أحيت الفنانة دلين جبّور أمسية غنائية بعنوان "تجليات" في بهو فضاء "الحمّام الجديد"، وهو من أقدم وأكبر حمامات صيدا القديمة، يعود تاريخ تشييده إلى عام 1720 ميلادي، وأغلق في الأربعينيات، ليعاد افتتاحه مؤخراً، كمكان تراثي وثقافي وسياحي، من قبل مؤسسة "شرقي".
أمسية الفنانة جبّور أتت برعاية من مؤسسة سعد الله ولبنى خليل، أحيتها المغنية في عرض استمر قرابة الساعة من الزمن، أمام حشد من أهالي المدينة وزوارها.
ضمّت الفرقة الموسيقية كلّاً من الفنانين سمير نصر الدين على العود، وبهاء ضو على الإيقاع، ورامي أبو كامل على الكونترباص، وجوزيف سمعان على الكمان. كما رافقتها غناءً جوقة ضمّت محمد أبو صالح وصالح غزاوي وجو عازار. وكما عنوان الأمسية، تجلّت جبّور وفرقتها من خلال برنامج غني ضمّ قصائد صوفية وابتهالات وموشحات دينية، تنوّعت ألحانها ما بين رياض السنباطي ومحمد الموجي. قدّمت جبّور بعضاً من القصائد التي غنتها أم كلثوم؛ فافتتحت أمسيتها بأغنية "القلب يعشق كل جميل"، وهي من شعر بيرم التونسي وألحان السنباطي. كما أدّت "أوقدوا الشموس" (المعروفة بـ"الرضا والنور") و"سألت عن الحب" (المعروفة بـ"حانة الأقدار")، وهما قصيدتان من فيلم "رابعة العدوية" من شعر طاهر أبو فاشا وألحان محمد الموجي.
كانت هناك حصة للشيخ سيد النقشبندي في الأمسية، مع الابتهال الأشهر بصوته "مولاي إني ببابك" وهي قصيدة لعبد الفتاح مصطفى لحنها بليغ حمدي، كما مع "سبحانك ربي سبحانك" وهي من تأليف الأخوين أمين كلاماً ولحناً. أما السنباطي فقد خصّته الفنانة بقصيدة "إله الكون سامحني"، من كلمات حسين السيد، واختتمت أمسيتها معه من خلال اللحن الذي قدّمه لأم كلثوم في "الثلاثية المقدسة"، وهي من شعر صالح جودت.
المثير للاهتمام في الأمسية أنها لم تكن مدعمة بجهاز صوت، فكان العرض قائماً على صوتيات المكان العتيق، ما كان تحدياً حقيقياً أمام دلين جبور خاضته بنجاح مع فرقتها الموسيقية.
جبّور فنانة لبنانية اختصّت في علوم الموسيقى، وتحديداً في مجال المشرقية التقليدية التي تعشقها على حد تعبيرها. ومن مبدأ "لا يصح إلا الصحيح"، تضيف جبّور أنها تنحاز إلى التقليد الموسيقي في الغناء، لأن "في ذلك تكمن هويّتنا". حول تقبّل الجمهور لهذا النمط من الموسيقى والأداء، تشير الفنانة إلى ثغرة ما بين الجمهور اليوم، وتراثنا التقليدي في الموسيقى.

حول ذلك، تقول إنّ "الإنسان عدوّ ما يجهل، ولو أنّ إعلان الحفل كان يقول إنّها في مجال الموسيقى التقليدية، لربما لم يستقطب ما نطمح له من حضور". وتوضح هنا أنّ اختيار عنوان "تجليات" كان جاذباً للناس، فمضمون العرض كان غير مألوف لعدد ممن حضروا الأمسية. تخبرنا الفنانة عن موقف هو بمثابة دليل على ذلك، إذ في نهاية الحفلة تقدّمت منها إحدى السيدات معربة عن استمتاعها الشديد بالأغنيات التي قدّمتها قائلة إنها المرة الأولى التي تستمع إليها. وتستعد دلين جبور اليوم لمزيد من العروض التي "تركّز على الموسيقى الطربية المعاصرة والطربية التقليدية والقصائد الصوفية بالدرجة الأولى".

المساهمون