حيدر رشيد: بغداد عندي مثل كابوس

30 سبتمبر 2018
حيدر رشيد: أريد إحداث توتر لدى المُشاهد (العربي الجديد)
+ الخط -
ينتمي حيدر رشيد (22 عامًا)، إلى جيل عراقي صاغت الغربة ملامح تكوينه. يقف حائرًا أمام أسئلة الهوية والوجود والوطن المُفتقد. الأب عراقي والأم إيطالية. وجد في الكاميرا نوعًا من حلّ، يجوب بها مدن الغربة (روما، نيويورك، لندن)، لعلّه يرسم شكل محنته.

فيلمه الأول بعنوان "المحنة"، يحكي عن لندن وفوضى الزحام والحركة، وعن ابن كاتب وأكاديمي عراقي يواجه محنةً تتعلق بنشر كتابه الأول عن مذكرات ومأساة والده الذي اغتيل في بغداد بعد عودته إليها عام 2003.

تناولت غالبية أعماله السينمائية اللاحقة، كـ"مطر وشيك"، موضوع الجيل الثاني من عراقيي المهجر، والتباس الهوية بالنسبة إليهم. افتتح "مطرٌ وشيك" الندوة الوطنية لحملة "إيطاليٌ أنا أيضًا" في إيطاليا، الهادفة إلى منح المولودين في إيطاليا من أبوين أجنبيين المواطنة الإيطالية. فالفيلم يحكي عن مليون شاب وشابة ولدوا وترعرعوا في إيطاليا من دون أن يمتلكوا حقّ المواطنة لأسبابٍ بيروقراطية، كضرورة إثبات الإقامة القانونية في إيطاليا من لحظة الولادة حتى الـ18 عامًا. استوحى رشيد القصّة من شخصيات حقيقية وأحداث واقعية.

يختلف حيدر رشيد في نظرته إلى الموضوع العراقي عن أبناء جيله من السينمائيين العراقيين، فالحدث بتفاعلاته وتداعياته أقرب إلى الوثيقة منه إلى الخيال. يقول: "أنا إيطالي عراقي. لديّ طريقة خاصة في النظر إلى هذا الموضوع يُمليها عليّ نمط حياتي وتفكيري بوصفي إيطاليًا، وفهمي لما يحدث انطلاقًا من غربتي. عندما فكّرت بموضوع فيلمٍ لي، تدافعت في رأسي أسئلة لا حصر لها أختزلها بهويتي وبوطن أبي الذي لا أجيد لغته لكنّي بالتأكيد أتمثّل ثقافته لقربي من شخصية أبي. تدور أحداث الفيلم في لندن حيث أقيم الآن، أما أصداؤه البعيدة فتحصل في بغداد"، ويُضيف أن بغداد عنده "مثل كابوس، أحبّها وأخافها. ربما لهذا السبب ترى اختلافًا في النظرة".



لكن بغداد في "المحنة" موجودة في مذكرات والد البطل، وسوى ذلك هو صدى بعيد في خضمّ المعاناة الوجودية للبطل: "بالضبط. لكن حيرة البطل وقلقه انعكاس طبيعي لأزمته وهو يحمل مخطوطة كتابه متنقلاً بها بين دور النشر. فشله في إيجاد توصيف لعلاقته مع صديقته بعد 4 أعوام على علاقتهما، هذا كلّه نتاج طبيعي لأزمة أكبر تغلّفها الأسئلة. بالنسبة إليّ، يتحدّث الفيلم بشكل حقيقي عن العراقيّ، وأيضًا عن معاناة الإنسان مُمزّق الهوية".

بعد عرض الفيلم، أشار حيدر إلى مواجهته صعوبة في إنتاجه، الذي استغرق 3 أعوام. فهل لازمته الفكرة نفسها هذه الفترة كلّها؟ يقول: "في البداية، كان الفيلم عن علاقة رجل بامرأة. هو مُقتبس عن مسرحية قصيرة للكاتب براد بويسن تمّ التصرف بها لتأخذ منحى شخصيًا فتكون التجربة العراقية ثيمته. ربما هو الإحساس بعراقيتي، بنصفي الآخر، بوصفي من الجيل الثاني من المهاجرين العراقيين. هذا موضوع تناولته سابقًا في فيلمٍ وثائقي"، ويُشير إلى أنه وفريق عمله واجهوا "في هذا الفيلم الجديد صعوبات مادية وروحية"، مُضيفًا ما يلي: "كنتُ أسعى إلى خلق توتر. لا أريد مُجاملة المُشاهد، لذا عليّ إحداث توتر لديه. لا أريد إثارة عاطفته، بل وضعه أمام أسئلة شائكة. كارثة العراق خلفية للحدث، والدمار موجودٌ في الفيلم".

من ناحية أخرى، تبدو شخصية الشهيد المفكّر كامل شياع حاضرة في ذهن المخرج الشاب، وهذا يؤكده إهداء الفيلم له: "ليس هذا بالضبط، وإنْ أعترف أن لاغتياله تأثيرًا كبيرًا عليّ، لعلاقته الوطيدة بي وبوالدي. ربما كان نموذجًا لتفكيري، لكني هنا لا أسعى إلى شخصنة الموضوع، وهو أشمل من ذلك، فهو عن العلاقة بين أب وابن، وأيضًا عمًا يعانيه البطل في أزمته"، موضحًا أنه "رغم الاستعانة بوالدي، الذي له أثر كبير في تفاصيل عديدة متعلّقة بهذا الموضوع، أحمل وجهة نظر خاصة عن موضوع العراق، عالجتها برؤيتي الموجودة في الفيلم. أنا لستُ معنيًا بأية قراءة أخرى. أنا معنيٌّ فقط بطرح رؤيتي للموضوع".



وعن نظرته إلى السينما العراقية، يقول حيدر رشيد: "واضح أن هناك نموًا مُتصاعدًا للسينما العراقية. هناك حركة في إنجاز أفلام في العراق ذات جودة عالية. أعتقد أن مهرجانات السينما تمثّل فرصة جيدة لتقديم السينما العراقية بصورة مختلفة، في ظلّ وجود عدد كبير من صنّاع الأفلام في العراق والمنطقة. ورغم حاجة العراقيين إلى خدمات إنسانية عديدة، فهم يحتاجون أيضًا إلى إبراز ثقافتهم وتقديمها إلى العالم".
وبالنسبة إلى مشاريعه المقبلة، يقول: "لديّ مشروع فيلم روائي كبير عن الحرب العراقية ـ الإيرانية أعتزم تصويره في صحراء الأردن، يتناول آثارها السلبية، فهي حرب على الإنسان. كما أعمل على مشروع فيلم طويل بعنوان (بابيلون)، هو أهم بالنسبة إليّ، ويتحدّث عن رحلة شاب عراقي من الجيل الثاني المولود في المهجر. رحلة عودة إلى العراق بحثًا عن سرّ أو أصول تعرّف عليها عبر والده".
دلالات
المساهمون