تعرضت مراسلة صحيفة "لوموند" الفرنسية في تونس، ليليا بليز، لحملة تشهير من قبل ناشطين قريبين من الرئيس التونسي قيس سعيد، اعتبروا تغطيتها لما يحصل في تونس منحازةً، فيما ورد بريدها الإلكتروني بين لائحة جهات اتصال لحركة النهضة، سمّاها بعض المستخدمين "وثائق حملات الضغط (اللوبينغ)"، ما زاد الحملة ضدها. وردّت بليز والصحيفة على الحملة "البغيضة والمؤسفة" بحقها.
وبليز تتعاون مع مؤسسات إعلاميّة أخرى، من بينها "فرانس 24" و"ميديابارت". واعتبر تونسيّون أنّها "لا تقوم بعملها بشكل موضوعي بل تقوم بحملات اتصالية لفائدة أحد الأطراف المتدخلة في الأزمة التونسية الحالية".
في منشورات لها عبر صفحتها على "فيسبوك"، ردّت بليز مشيرةً إلى دورها الصحافي البحت، نافية الاتهامات الموجّهة لها، وموضحةً أنّه لا يمكن الخلط بين أي أخطاء ترتكبها أي مؤسسة إعلامية تعمل هي معها وبين ما تكتبه شخصياً.
والسبت، كتبت مؤكّدة أنّه "مع استمرار عمليات التشهير، يتم نشر اسمي ضمن قائمة "جماعات الضغط" لحركة النهضة منذ عام 2019، حيث يظهر بريدي الإلكتروني الخاص بالعمل. أكرّر تفسيراتي مرّة أخيرة: أنا صحافية، أتقاضى راتبي فقط من المحررين الذين أتعاون معهم في منشوراتي. مثل أي صحافي، يمكن العثور على عنوان بريدي الإلكتروني في ما يُسمى "القوائم الصحافية البريديّة"، وهي أداة تستخدمها أي جهة تريد التواصل مع الصحافيين، بغض النظر عن إرادتهم. كل شيء آخر هو مجرّد تكهنات ولهذا السبب، من الآن فصاعداً، سأحتفظ بالأدلة على أي تشهير وإهانة، وسأقاضي الفاعلين في تونس".
الحملة التي تستمر منذ أسبوعين وعرفت أوجها في نهاية الأسبوع الماضي، دفعت الصحيفة الفرنسية أيضاً إلى توضيح موقفها حول ما تتعرض له مراسلتها. وكتبت مديرة التحرير في "لوموند" كارولين مونّو، أمس الأحد، توضيحًا اعتبرت فيه الاتهامات ضدّ ليليا بليز مجانبة للصواب، قائلةً إنها "التزمت في تغطيتها باعتماد أسلوب مهني بعيدًا عن الاصطفاف مع أي طرف سياسي"، معبرةً عن صدمتها من الهجمة التي تعرّضت لها المراسلة بشكل يعرض سلامتها للخطر. واعتبرت أنّ الاتهامات التي وجهت للمراسلة لم تكن مبنية على معطيات واقعية بل مجرد تخمينات نتيجة ورود اسمها في قائمة جهات اتصال لحزب النهضة، مبينةً أن وجود اسمها ضمن مجموعة من الصحافيين لا يعني أنّها تشارك في هذه الحملات الاتصالية لفائدة طرف سياسي ما، بل إنّ الأطراف السياسية تتواصل مع الصحافيين لنشر بياناتها وتصريحاتها.
وقالت مونّو إنّ "لوموند" في تغطيتها أرّخت ووثقت الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرّت بها تونس على مدى السنوات الماضية وصولاً إلى أزمة تفشي فيروس كورونا التي فشلت السلطات في معالجتها، وصولاً إلى حالة الطوارئ الحالية (قرارات الرئيس سعيد)، مؤكدةً أنّ "حالة الطوارئ لا تمنع صدى الأسئلة المشروعة حول المخاطر التي تخفيها".
وأضافت أنّ "لوموند" صُدمت بشدة من عنف الحملة التي استهدفت مراسلتها في تونس، محذرةً من "مخاطر موجة الكراهية هذه التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تعكير صفو النقاش العام في تونس وبالتالي صورة البلاد في الخارج". وقالت "لوموند" إنّها "مستعدة لقبول النقد عندما يكون له ما يبرره وبحسن نية - وهذا للأسف ليس هو الحال في الحملة الحالية" التي وصفتها بـ"السخيفة وغير العادلة"، مجددةً ثقتها الكاملة في النزاهة المهنية لليليا بليز.
A Tunis, une regrettable campagne de dénigrement contre la correspondante du « Monde » https://t.co/h6f7ZNI6kt via @lemondefr
— Caroline Monnot (@caromonnot) August 8, 2021
من ناحيتهم، عبّر بعض الصحافيين التونسيين عن تضامنهم مع ليليا بليز. وكتبت الصحافية سوسن جدي أنّها سبق لها أن تعاملت مع ليليا بليز أثناء زيارتها لمحافظة القيروان واتسمت بالمهنية والجدية والموضوعية، مشيرةً إلى أن من يهاجمونها لم يطلعوا على تغطياتها بل اكتفوا بترديد ما نشره الآخرون دون تثبت مما كتبت.
يُذكر أن تونس تعيش منذ 25 يوليو/تموز2021 تاريخ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد قراراته بتجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة التونسية وتوليه السلطة التشريعية والتنفيذية جدلاً، لتوصيف ما حصل بين من يراه "قراءة موسعة للفصل 80 من الدستور التونسي" ومن يراه انقلاباً، ومن يذهب إلى اعتبار ما حصل "حركة تصحيحية"، مما تسبب في انقسام في الشارع التونسي كان له تأثير على عمل الإعلاميين التونسيين والمراسلين الأجانب، والذين يتم توجيه التهم لهم من كل الأطراف التي لا تتفق مع ما ينشر أو تبث أهواؤهم السياسية، مما صعّب عمل الإعلاميين والمراسلين.
في السياق، دان حزب "تونس الإرادة"، في بيان اليوم، تصاعد الانتهاكات للحريات العامة والخاصة، وضرب حرية التعبير والإعلام، ما ينذر "بانهيار منظومة العدالة وحقوق الإنسان التي بُذلت من أجلها دماء شهداء زكية حلموا بمستقبل أفضل لتونس ينعم أبناؤها بالحرية والكرامة"، بحسب البيان.
وذكر البيان بعضاً من أبرز الانتهاكات التي كان بينها الاعتداء على الصحافيين، إغلاق بعض المكاتب الاعلامية الأجنبية مثل مكتب الجزيرة والتلفزيون العربي، منع البرامج الحوارية على التلفزة الوطنية، ومنع بعض الناشطين الحقوقيين من دخول مبنى التلفزة الوطنية (ممثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وممثلة نقابة الصحافيين).
بالإضافة إلى حملة الاعتقالات التي طاولت مواطنين تونسيين ومدونين، وحملة المداهمات البوليسية لمنازل بعض الناشطين السياسيين وترويع عائلاتهم وأطفالهم في انتهاك تام للقانون، وقرارات الوضع تحت الإقامة الجبرية بما في ذلك لبعض رجال القضاء، وقرارات المنع من السفر، وتقييد حرية التنقل، كما المضي قدما نحو عسكرة المؤسسات المدنية بتسمية ضباط على راس الوزارات المدنية، واستعمال القضاء العسكري لإضعاف الخصوم السياسيين.
ودعا الحزب رئيس الجمهورية إلى "العودة إلى جادّة الصواب والعمل على الرجوع حالا إلى الشرعية الدستورية وإيقاف العمل بهذه الإجراءات والتدابير التعسفية والتي من شأنها أن تجر البلاد الى مصير مجهول وإلى مغامرة سيئة العواقب".