حكاية الطفل "مستقبل"

05 ابريل 2014
+ الخط -

أنجبت أمّي من جرّاء الزواج 17 نسمة. مات 7 وبقي 10. وفي سنة، وقد كان أبي عاطلًا من العمل، أنجبت مرّتين في أولها وآخرها.

ويعزى هذا النشاط الإنجابي لذعر الأب من أن يكون قليلًا أمام الناس. وبالتالي فالتكاثر فيه ثقل ديموغرافي، يستطيع به تشكيل سريّة أمن وحماية. وإذا جدّ الجدّ فسيجد من يلبّي النداء للدفاع عن مملكته المكوّنة من غرفة ونصف، ومطبخ ومرحاض (مكان لا علاقة له بالحمّام أو التواليت).

أمّي حرصت كلّ الحرص على أن تأتي له بذكور وحسب. غير أن أخطاء مطبعية قسّمتنا قسمة عادلة حسابيًاً، وضيزى في التقييم، فطلعنا خمس قوارير وخمسة فرسان (بلا خيول).

كان أبي يحفظ نكتة طويلة، الزبدة فيها أنّ لكل فرد في العائلة اسماً، الرضيع سمّي "مستقبل": وسمّوه هكذا معوّلين عليه، فهو بشرى ما، لخيرٍ ما، لغدٍ ما أفضل.

 أثناء السباحة الحرّة في التمنيات، يباغت الرضيع أهله ويعملها في فوطته فيصيح الأب: "افففف.. تعالي يا مرة شوفي المستقبل خري على حاله". 

 إذا كان "المستقبل" يبدأ حياته هكذا، فألف عطّار لن يجدوا ثمة شيئاً يصلحونه. وكان أبي يشير بنكتته إلى تحول العالم إلى خريَة صغيرة، رداً على مارشال ماكلوهان الذي يزعم أنّ "العالم قرية صغيرة"، وعاشها الزوجان عملياً، وهما أيضاً اللذان قررا أخلاقياً أنهما أبونا وأمنا اللذان في الأرض.

ضحكنا على النكتة أوّل مرّة، ثم أصبح الضحك يقل لفائدة جرح بلا دماء، ذلك الجرح الذي يحوّل الروح من ملعب حياة إلى جوارير مقفلة، وبلا مفاتيح.

كانت الأم تقول لجاراتها: المصاري وسخ يدين. كنت أرى كم يدها نظيفة ومزمنة النظافة، وأراها مع زوجها حين يحمى الوطيس بسبب الحاجة الكاسحة إلى وسخ اليدين، ذلك الوسخ الضروري الذي لا يؤدّي إلى ملعب الحياة اللطيفة، بل كيما يعملها "المستقبل" كلما اضطر إلى ذلك.. دون إحساس بالذنب.

 

 

 

المساهمون