حكايات عربيّة في القدس: سينما اختباراتٍ ومآزق

10 فبراير 2021
سارة قصقص في "مهرجان أندنبورغ" 2019: "تحت التحت" (روبرتو ريتشوتي/ Getty)
+ الخط -

 

التحضيرات اللازمة لإقامة الدورة الأولى لـ"مهرجان القدس للسينما العربية" في موعدها الثاني (20 ـ 24 فبراير/ شباط 2021) منتهيةٌ، منذ أسابيع سابقة على موعدها الأول (20 ـ 24 يناير/ كانون الثاني 2021). التأجيل حاصلٌ بسبب كورونا. لا تأكيدات نهائية بخصوص الموعد الجديد، لكنّ التمنيات تقول برغبةٍ في ألا يكون هناك أي تأجيل آخر.

التحضيرات المنتهية تحتاج فقط إلى اختبارٍ أخير لآلات العرض. هذا أمرٌ مهنيّ. كلّ شيء آخر جاهز. الأفلام المختارة تنتظر عروضاً متفرّقة في مزاكز ثقافية مختلفة. إنتاجاتها تمتدّ على أعوام قليلة سابقة. أقدمها عائدٌ إلى عام 2018: "تحت التحت"، وثائقي للّبنانية سارة قصقص ("العربي الجديد"، 7 يناير/ كانون الثاني 2019). أحدثها مُنتج عام 2021: "حظر تجوّل" للمصري أمير رمسيس (يُعرض في ختام الدورة الأولى).

الوثائقيات المختارة (5 أفلام) توزّع مواضيعها على مسائل لبنانية وفلسطينية وسورية. "تحت التحت" يروي حكايات أفرادٍ (امرأتان لبنانيتان وسائق سيارة أجرة فلسطيني ومراهق سوري) يُقيمون في القهر والتمزّق والخراب، برغبةٍ في عيشٍ مختلف، وبقبول واقعٍ يجهدون في التحايل عليه. الأردنية دينا ناصر توثِّق، في "أرواح صغيرة" (2019)، يوميات عائلة سورية مُقيمة، منذ عام 2012، في مخيم الزعتري (شمال الأردن) للاجئين السوريين. تختار من بين أفرادها مروة (11 عاماً) وشقيقتها آية (9 أعوام) وشقيقهما محمود (5 أعوام). ترافقهم لتُسجِّل عيشهم وأحلامهم وقصصهم، ولتغوص معهم وعبرهم في فضاء المخيّم أيضاً. "ليست فقط صورتكم" (2019) للفرنسية آن باك والإسرائيلي درور دايان ("العربي الجديد"، 5 فبراير/ شباط 2021) و"إبراهيم إلى أجلٍ غير مُسمّى" (2019) للفلسطينية لينا العبد ("العربي الجديد"، 9 سبتمبر/ أيلول 2019) يندرجان في نمطٍ سينمائيّ وثائقيّ عربيّ، يحاور أحد أفراد عائلة المخرجة/ المخرج، أو أحد أفراد عائلةٍ، للمخرجة/ المخرج ارتباط ـ عاطفي أو إنساني أو أخلاقي أو ذاتيّ ـ به. أما "بيروت المحطّة الأخيرة" للّبناني إيلي كمال، فيستعيد محطات ولحظات في تاريخ لبنان، عبر خطوط السكك الحديدية، المتوقّفة عن العمل منذ سنين طويلة.

 

 

التنويع الحكائيّ في وثائقيات "مهرجان القدس للسينما العربية" يُواكب تنويعاً آخر يتمثّل بمرويّاتِ أفلامٍ روائية. المغربي حسن بنجلون يتذكّر حادثة شخصية له مع حدودٍ جغرافية في أوروبا، فيستوحي منها ما يُفيد في تحقيق "من أجل القضية" (2019). موسيقيّ فلسطيني وصديقة يهودية من أصل مغربيّ يُمنعان من عبور الحدود البرّية القائمة بين المغرب والجزائر، بسبب "خطأ" ما في جواز سفر الفلسطينيّ، ما يُتيح بحثاً في جوانب مغربية وجزائرية وفلسطينية، وفي أسئلة الهوية والانتماء والعلاقات. أهمية نواة درامية كهذه لن يُقابلها اشتغالٌ سينمائيّ يتساوى وإياها في منح النصّ سينمائيته المطلوبة. هذا يتناقض مع "200 متر"، للفلسطيني أمين نايفة ("العربي الجديد"، 4 سبتمبر/ أيلول 2020)، المنطلق من سؤال مركزيّ، مطروحٍ بمواربة جمالية: كيف يُمكن لأبٍ فلسطيني، يرفض حمل بطاقة هوية إسرائيلية، لقاء زوجته وأولادهما الـ3، المقيمين في الجهة الأخرى من جدار الفصل العنصري؟ رحلة في الجغرافيا والروح تكشف تفاصيل، يُحيكها نايفة بلغة سينمائية سلسة ومبسّطة، ويحملها علي سليمان بتمثيله شخصية الأب، بعفوية ومصداقية تعكسان أشياء كثيرة في يوميات الفلسطينيّ المُقيم في بلده المحتلّ.

البيئة المغربية، اجتماعاً وعلاقاتٍ وبُنى يومية للحياة، تنعكس فصولٌ منها في "نساء الجناح ج" (2019) لمحمد نظيف. مشفى للاضطرابات العقلية والنفسية يُصبح عالماً، جغرافياً واجتماعياً وإنسانياً، يختزل شيئاً من بلدٍ منكوبٍ بتمزّقات وخرافات وثقافة تحجر المرء في عزلة خانقة. نساء يعشن بؤساً يُسببّه أهل وعائلات وأناسٌ يُحيطون بهنّ قبل دخولهنّ المشفى، ويمتلكن أحلاماً مقتولة، وهواجس ممنوعة، ورغباتٍ مدفونة.

قليلٌ من هذا يحضر في "لمّا بنتولد" (2019) للمصري تامر عزت ("العربي الجديد"، 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019): أفرادٌ يتوزّعون على عائلات، لكلّ منها خصوصية عيشٍ وفقاً لسلوكٍ اجتماعي منبثق من ثقافات دينية مختلفة، وعلاقات مبتورة لأسبابٍ عدّة، وانفعالات ممنوعة لتباين ديني بين حبيبين. قسوة البؤس المغربيّ تتطلّب بناءً درامياً يتماسك في تعبيره الحادّ عن بعض تلك القسوة. هذا غير حاضرٍ في "لمّا بنتولد"، فالقسوة مخفّفة، والغناء يربط مفاصل ومتتاليات، ويروي شيئاً من الحكايات، والألوان تُضفي بعض سكينة لن تحول دون تبيان قسوة اليوميّ.

القسوة نفسها تُحطِّم علاقة رجلٍ بامرأته، في "بيك نعيش" (2019) للتونسي مهدي برصاوي (تعرضه "نتفليكس" منذ 24 ديسمبر/ كانون الأول 2020). رصاصة طائشة، تُصيب ابناً وحيداً لوالديه، كافيةٌ لكشف سرّ يخرِّب تلك العلاقة الجميلة، ويكشف جوانب من ذاتٍ تتناقض وجوانب معروفة فيها. اشتباك بين إرهابيين وعناصر من الشرطة، يحصل فجأة أثناء مرور سيارة العائلة، يؤدّي إلى فضح مخبّأ.

تنويعٌ سينمائيّ يريده "مهرجان القدس" مرايا اختبارات عدّة لسينما عربيّة مختلفة.

المساهمون