اكتشف باحثون أنّ بقايا سفينة تاريخية عمرها 80 عاماً تحطمت في أثناء الحرب العالمية الثانية ما زال يؤثر على الأحياء الدقيقة والكيمياء الجيولوجية لقاع المحيط في المنطقة التي يستقر فيها الحطام، وهو ما يشير إلى ضرورة إزالة حطام السفن التي تعود إلى زمن الحرب من قاع البحر.
في الدراسة التي نشرت يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول في دورية Frontiers in Marine Science أظهر الباحثون كيف يقوم الحطام بتسريب الملوثات الكيميائية الخطرة، مثل المتفجرات والمعادن الثقيلة، إلى رواسب قاع المحيط في بحر الشمال، مما يؤثر على الأحياء الدقيقة البحرية من حوله، إذ إنّ هذه البقايا تسبب بتغير إما في حموضة المياه أو تغير من تفاصيل البيئة المحيطة، الأمر الذي يؤثّر سلباً على كلّ البنية الحيوية المجاورة.
يذخر قاع بحر الشمال بآلاف من حطام السفن والطائرات وأدوات الحرب وملايين الأطنان من الذخائر التقليدية مثل القذائف والقنابل. تحتوي حطام السفن على مواد خطرة (مثل البترول والمتفجرات والزيوت السامة) قد تضر بالبيئة البحرية. مع ذلك، هناك نقص في المعلومات حول موقع حطام السفن وتأثيرها على البيئة.
كانت السفينة V-1302 John Mahn مخصصة للصيد، وقد استولت عليها القوات البحرية الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية وأغرقتها قاذفات القنابل البريطانية عام 1942، لتستقر على ارتفاع 30 متراً تحت مستوى سطح البحر في بحر الشمال البلجيكي منذ ذلك الحين، ولم يتمكن أحد من انتشالها.
في الدراسة الجديدة، حللت جوزيفيان فان لاندويت، باحثة الدكتوراه في مركز علم البيئة الميكروبية والتكنولوجيا في جامعة غينت في بلجيكا، وزملاؤها، العينات المأخوذة من جسم القارب الفولاذي وقاع المحيط، ووجدوا آثاراً للزرنيخ والمتفجرات والمعادن الثقيلة مثل النيكل والنحاس، وهي مواد شديدة السمية وتؤذي بالتأكيد كلّ الكائنات الحية المجاورة. وجد الفريق أيضاً الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، وهي مجموعة من المواد الكيميائية التي توجد بشكل طبيعي في الوقود الأحفوري.
وقالت فان لاندويت، لـ"العربي الجديد"، إنّ الفريق لاحظ وجود تركيزات منخفضة من المركبات العطرية متعددة الحلقات ومركبات الذخيرة والمعادن الثقيلة، فيما هناك اتجاه للزيادة في هذه المركبات في العينات الأقرب إلى مستودع الفحم في حطام السفينة. وأضافت: "لقد رأينا تغييرات صغيرة في المجتمع الميكروبي، مع إثراء المواد المحطمة العطرية في عينات الرواسب هذه أيضاً. يشير هذا إلى أنّ الحطام ربما يكون قد سرب أو ما زال يسرب بعض هذه المركبات إلى الرواسب البحرية. مع ذلك، فإنّ هذه التركيزات منخفضة للغاية".
تعمل هذه المواد الكيميائية على إعادة تشكيل الميكروبيوم في المنطقة المجاورة مباشرة للسفينة، مع الميكروبات المعروفة المسببة لتهيج الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات. وأشارت الباحثة إلى أن مستويات التلوث الناجم عن سفينة V-1302 John Mahn ضئيل نسبياً، مما يسمح للحطام بأن يظل بمثابة شعاب مرجانية اصطناعية وحاضنة للأسماك.
وعلى الرغم من ضآلة مستوى التلوث، فإن الباحثة حذرت من أن الآلاف من السفن والطائرات المحطمة الأخرى من تلك الفترة قد تسرب كميات أكبر من المواد السامة في بحر الشمال. وهي سفن لا يعرف سوى القليل عن مكان وجودهم في قاع البحر أو ما كانوا يحملون على متنها، خاصة أن بعضها تعرضت للقصف وهي لا تزال مليئة بالذخائر.
تشير التقديرات إلى أنّ حطام السفن في الحربين العالميتين الأولى والثانية حول العالم يحتوي مجتمعاً على ما بين 2.5 مليون و20.4 مليون طن من المنتجات البترولية. وأوضحت فان لاندويت أنّ هذه الدراسة ليست سوى قمة الجبل الجليدي: "لقد فحصنا سفينة واحدة فقط، على عمق واحد، في مكان واحد. للحصول على نظرة عامة أفضل على التأثير الكلي لحطام السفن على بحر الشمال، يجب أخذ عينات من عدد كبير من حطام السفن في مواقع مختلفة".