كان 2022 عاماً حافلاً بالأحداث الفنية المُهمة. في هذا العام، استعادت الكثير من المعارض والملتقيات وهجها بعد انقطاع وركود دام أكثر من عامين بسبب وباء كورونا، من "آرت بازل" إلى "بينالي داكار"، ومن "بينالي" البندقية وأنشطة المتاحف في عواصم أوروبا والولايات المتحدة إلى "بينالي" طوكيو. هذا خلافاً للأرباح الكبيرة التي حققتها صالات المزادات الكبرى نظير بيع المئات من الأعمال الفنية. بين كل هذه الأحداث توجد أحداث فارقة سيظل بعضها عالقاً في الذاكرة لفترة طويلة. فكيف لنا مثلاً أن ننسى صور اعتداء ناشطي المناخ على الأعمال الفنية؟ هذه الصور التي تم تداولها على نطاق واسع أمام أبرز اللوحات العالمية، من لوحتي العشاء الأخير والموناليزا لدافنشي، إلى لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلئي لفيرمير، إلى جانب أعمال أخرى لفان غوغ وبوتشيلي وغيرهما. تنوعت هذه الاعتداءات بين إلقاء عبوات الحساء إلى إلصاق الأيدي بأطر اللوحات، غير أن الهدف كان واحداً، وهو الاحتجاج وتذكير العالم بقضية التغير المناخي.
لا تقتصر الصدمة التي أحدثتها تلك الصور على الفعل نفسه وغرابة المغامرة التي أقدم عليها هؤلاء النشطاء، بل تتعلق كذلك بالسجال الذي أحدثته، بين الرافضين لهذه الاعتداءات والمتعاطفين مع مرتكبيها. هم يعتدون على الإرث الثقافي للبشرية، ولكن ما فائدة هذا الإرث إذا ما فني العالم تحت تأثير التغير المناخي؟ هكذا دب السجال وانتقل سريعاً من برامج الإذاعة والتلفزة ومواقع الصحف إلى منصات التواصل الاجتماعي. شغلت هذه الصور اهتمام الناس حول العالم خلال العام المنقضي، بل يمكن اعتبارها أكثر الصور المتعلقة بعالم الفن انتشاراً خلال هذا العام.
الذكاء الاصطناعي
هل تريد أن تصبح رساماً بارعاً؟ الأمر بالطبع ليس سهلاً، فهو يحتاج إلى موهبة واستعداد طبيعي ودراسة طويلة. لكي تحقق حلمك عليك الانتظام لعدة أعوام في إحدى الأكاديميات المتخصصة، أو الالتحاق بإحدى الدورات المؤهلة على الأقل. والأهم من كل ذلك أن تتمرس جيداً طوال حياتك حتى تتطور تجربتك وموهبتك للأفضل، وتستطيع التعبير عما يجول بخاطرك من أفكار وتساؤلات وتحولها إلى عمل بصري. هكذا فعل الفنانون والرسامون عبر التاريخ من رسامي عصر الكهوف حتى الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان صاحب الموزة الشهيرة، فقد درس كاتيلان الرسم بلا شك قبل أن يتجه إلى هذه الممارسات البصرية المثيرة للجدل. إذا كان عليك اختيار طريق الفن فعليك البدء الآن، فالأمر ليس سهلاً.
ولكن عذراً. نسيت القول إن هذه النصائح جميعها كان يمكن أن تقال قبل عام 2022، فاليوم لا يحتاج الأمر منك إلى كل هذه المشقة. يمكنك أن ترسم ما يخطر على بالك، وتحول كل ما يعنّ لك من أفكار إلى صور مثيرة بضغطة زر واحدة. إنه عصر "الإيه آي" AI الذي انفتح على مصراعيه خلال هذا العام. في هذا العام دشنت منصة ميدجورني (Midjourney) بثها التجريبي المذهل، ودعت المشاركين إلى تحويل شطحات خيالهم إلى صور. بعد أيام قليلة من انطلاق هذه المنصة تدفقت عبر الفضاء الافتراضي الشاسع آلاف من الصور والرسومات التي ابتكرها أشخاص غير متخصصين باستخدام الذكاء الاصطناعي. الجديد هنا أن التعامل مع هذه المنصة وغيرها من منصات الذكاء الاصطناعي لا يتطلب تمرساً أو دراسة، فليس عليك هنا أن تكون دارساً للرسم أو لديك أي معرفة سابقة بقواعده. كل ما عليك فقط هو وصف ما تريد بكلمات موجزة، وسوف يتولى البرنامج تحقيق أحلامك في ثوان معدودة. عبر هذه البرامج يمكنك أن ترسم لوحة بأسلوب فان كوخ أو موديلياني أو بيكاسو، أو حتى تبتدع أسلوبك الخاص، كما يمكن أن ترسم قصة مصورة بمنتهى البراعة والإتقان، كأنك قد تمرست لسنوات في هذا المجال. نعم سيحدث ذلك انقلاباً بلا شك وتغيراً في علاقة الفنانين بأدواتهم، ولكن لم لا؟ فهي التقنية التي لا يقف أمامها عائق، وهي قاطرة التغير في هذا القرن بلا مُنازع.
مبيعات غير مسبوقة
رغم حالة الركود الاقتصادي التي شهدها عام 2022 بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أنه شهد كذلك رواجاً غير مسبوق وتسابقًا محمومًا على اقتناء الأعمال الفنية في مزادات البيع الشهيرة. حققت صالات المزادات الشهيرة هذا العام أرباحاً خيالية من بيع المئات من الأعمال الفنية بأرقام تخطت التقديرات والتوقعات. بين هذه المبيعات كانت هناك أعمال فنية حظيت بالنصيب الأكبر من عمليات البيع، بعد أن تخطى بعضها حاجز المائة مليون دولار. عبر هذه الصالات تم تداول العشرات من أعمال النحت والتصوير والرسم لرموز الفن الحديث، من فان غوغ إلى ماغريت وبول غوغان وغيرهم.
فلنخمن من هو الفنان الذي حظي عمله بالسعر الأعلى إذاً؟ في الحقيقة لم يكن أياً من هؤلاء الفنانين الذين تعودنا على بيع أعمالهم بأسعار باهظة، فالعمل الذي حقق أعلى سعر هذا العام كان من نصيب فنان البوب آرت الأميركي الراحل وذائع الصيت أندي وارهول. اللوحة التي بيعت للفنان الأميركي هي لوحة مطبوعة باستخدام الشاشة الحريرية تمثل وجه مارلين مونرو. بيعت اللوحة في مايو/ أيار الماضي في دار مزادات كريستي في نيويورك نظير مبلغ 195 مليون دولار أميركي، وهو أعلى سعر لعمل فني في هذا العام، وأعلى رقم دفع في لوحة لهذا الفنان على الإطلاق. المبلغ الذي بيعت به لوحة وارهول كان أعلى بكثير من المبالغ التي بيعت بها أعمال فنانين بارزين في صالة المزادات نفسها، فقد بيعت لوحة غوغان على سبيل المثال المسماة "أمومة" نظير مبلغ 105 ملايين دولار فقط!