حسين صدقي... النجم التائب الذي تخلى عن أفلامه

23 مايو 2024
أوصى الممثل الراحل بحرق كل الأفلام السينمائية التي أنجزها (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- حسين صدقي، الممثل وصانع الأفلام الناجح، اتخذ قراراً مثيراً للجدل بحرق كل نيغاتيف أفلامه قبل وفاته، مما أثار تساؤلات حول دوافعه ونظرته للفن والسينما.
- وصيته بحرق أفلامه تشير إلى ندم محتمل وتغير في قيمه الأخلاقية والدينية، مع الإشارة إلى ازدواجية في موقفه من الثروة والشهرة التي حصدها من السينما.
- قصته تعكس صراعاً داخلياً وثقافياً في المجتمع بين قيم الجمال والفن وثقافة التحريم والذنب، مسلطة الضوء على التحديات في التوفيق بين التقاليد والتحديث.

كان الممثل حسين صدقي الفتى الأول في جيله، وكان حاذقاً بالعملية السينمائية كصناعة إلى جانب الفن، فأنتج مجموعة أفلام كان النجاح من نصيبها. وقد كان حسين صدقي يمتاز بدماثة الخلق والأدب الجمّ الذي يشهد له به الجميع، لكن كانت هناك علامة استفهام كبيرة حول طبيعة قرارات أو بشكل أدق وصية الرجل قبل أن يرحل عن دنيانا.

أوصى الراحل بحرق كل نيغاتيف أفلامه، وكأنه يتبرأ من حياته ومن السينما والفن اللذين أعطاهما ما أعطى من جهد وعرق، ولكنه جنى أيضاً الأموال الطائلة والشهرة الواسعة والمجد بكل ما تسبغ هذه الكلمة على حياة صاحبها من ترف ورفاهية.

لو كان حسين صدقي فاشلاً، لكان المبرر واضحاً جلياً لوصية حرق الأفلام، فقد كره هذه المهنة التي حصد بها الفشل والمرارة، ولكن ذلك لم يحدث، بل حدث عكسه تماماً، لذا ظل السؤال الكبير يطرح نفسه: لماذا هذه الوصية بحق أفلامه، التي تنمّ بطياتها عن كراهية الفن والسينما التي هي بالأساس مهنته، أي إنّه باختصار نادم على ضياع عمره في عمل أفلام من وجهة نظره تتعاكس مع قيم الأخلاق والدين.

وعليه، فقد كان قرار التبرؤ والوصية بحرق نيغاتيف أفلامه، ولكن إذا صحّ هذا التحليل، وإذا سلّمنا بهذه النظرة الضيقة للفن التي هي بالأساس متأثرة بفهم ضيق للنص الديني وأيضاً بكتب التراث الديني، وإذا كان كذلك، لماذا لم يتبرأ حسين صدقي من أمواله الطائلة التي جناها بسبب اشتغاله بالسينما والفن؟! لماذا لم يكمل وصيته بإحراق أمواله الموجودة في البنوك وتوزيع أي أصول عينية على من يحتاج؟! لماذا لم يوصِ بالتخلص من مكان إقامته هو عائلته؟ ليعيشوا حياة التقشف والزهد في بيت متواضع ضيق بجانب أحد الجوامع؟! لماذا لم يضمّن وصيته كل هذا؟!... فالطبيعي أن من يرفض مهنته يرفض مكسبها فلماذا هذه الازدواجية بالحياة والتفكير؟!

في الواقع، إن مأزق التناقض الذي وقع فيه حسين صدقي هو نفسه الذي وقعت فيه قمم فنية مثل شادية وسهير البابلي وغيرهما، هذه الازدواجية الشديدة والحادة في الإحساس بالذنب تجاه ما قدموه من فن، فعلى الرغم من اعتزازهم الداخلي به، إلا أنه مصحوب بالإحساس بالذنب الشديد الذي كان حتميته التوبة والاعتزال، أي كأنه اعتراف ضمني بحرمة الفن، ولكنهم في ذات الوقت يحتفظون بما كسبوه من ذلك الفن الذي اعتزلوه.

سينما ودراما
التحديثات الحية

 ومنهم من أخذ قرار الاعتزال بشكل مأساوي. فعلى سبيل المثال، فاجأت سهير البابلي المخرج جلال الشرقاوي باعتذارها عن عدم التمثيل في مسرحية عطية الإرهابية قبل عرضها بيومين. أغضب ذلك جلال الشرقاوي ودخل في ثورة عارمة، ولقد قيل ما قيل من طرائف في هذا الموقف، مؤداه أن سهير البابلي أرادت أن تهدئ من ثورة جلال الشرقاوي، فأخبرته بأن الرسول قد جاء لها في المنام وقال لها: "يا سوسكا (وهو اسم دلع سهير بالوسط الفني) يجب أن تعتزلي الفن"، فقال لها جلال الشرقاوي: "بقى قالك يا سوسكا؟".

بالطبع تتعدد الحكايات وتظل المأساة واحدة، وهو استفحال ثقافة التحريم أمام ثقافة الجمال، ولعلي أذكر هنا سنة دخولي المعهد العالي للفنون المسرحية، وحضور كل طلبة المعهد للاحتفاء بتكريم مؤسسه الرائد زكي طليمات، وأذكر طرح الرائد الكبير السؤال المهم أيهما له الغلبة والخلود، أنصار الماضي أم أنصار الحاضر؟! وقد صمتت القاعة صمت يليق بجلال السؤال. جاء رد طليمات سريعاً وموجزاً مكثفاً وواضحاً قاطعاً لا لبث فيه ولا غموض، إنه التاريخ الذي مضى، والمستقبل هو المنصف لأنصار الحاضر. وضجت القاعة بالتصفيق إعجاباً بعمق الإجابة وبساطتها. وأتمنى أن يكون قادم الأيام ببساطة وعمق وقوة إجابة الرائد زكي طليمات أتمنى... أو نتمنى جميعاً.

المساهمون