- تتبع القصة مغامرات الصبي بون ورفاقه في رحلات زمنية لإنقاذ الأشخاص دون التأثير على التاريخ، مستكشفاً حضارات وثقافات مختلفة ومعالجاً مواضيع مثل الطموح وتأثيره على الحضارات.
- على الرغم من توجهه للأطفال بين العاشرة والثالثة عشرة، يثير الأنمي تساؤلات حول ملاءمته بسبب بعض المشاهد العنيفة، لكنه يبقى تجربة غنية وممتعة للمشاهدين من جميع الأعمار، مقدماً رسالة عن نسبية المعايير الاجتماعية والثقافية.
من مبتكر شخصية دورايمون (عبقور) الشهيرة، التي تعد واحدة من رموز اليابان الحديثة، تُعيد "نتفليكس" اليوم إصدار نسخة جديدة من أحد أعمال المانغاكا، هيروشي فوجيموتو، المعروف باسم فوجيكو إف. فوجيو (Fujiko F. Fujio) وهي "حارس الزمن بون" (T.P BON).
بدأت سلسلة مانغا "حارس الزمن بون" لأول مرة عام 1978، وحصلت على نسخة أنمي في عام 1989. لذا، فإن ظهوره مجدداً في عام 2024 على "نتفليكس" كان حدثاً مفاجئاً، لكنه بالتأكيد خبر سعيد لمحبي الكلاسيكيات، خصوصاً أن حقبة فوجيكو إف. فوجيكو وشريكه تعد المكملة لحقبة عراب المانغا والأنمي أوسامو تيزوكا.
حافظ استوديو Bones على الرسوم الأصلية؛ العيون الكبيرة ذات الطراز القديم وتسريحات الشعر البسيطة، ما جعل مشاهدة الأنمي تجربة نوستالجية بامتياز.
حارس الزمن بون... نظرة أخرى على التاريخ
يتحدث الأنمي عن صبي صغير يدعى بون، يتعرض إلى مشكلة زمنية، إذ ينقلب الوقت عنده. وفي وقت لاحق، يشاهد وفاة صديقه سقوطاً من الشرفة أمام عينيه، ثم يعود الزمن، وتُنقذ صديقه فتاة غريبة تدعى ريم، بقوة غامضة. يرافق ريم كائن هلامي أصفر يطفو في الهواء، يدعى بويون. ولأن بون يشهد على هذا، من دون إمكانية لحذف الأمر من ذاكرته بسبب معضلة زمنية، يضطر حراس الزمن إلى ضمه كمتدرب لدى ريم. يعرف بون أن مهمة حراس الزمن هي إنقاذ الأشخاص عبر التاريخ من ميتات قاسية، شرط ألا يؤثر إنقاذهم على صيرورة التاريخ وبالتالي تغييره، وهذا أمر يقرره مركز الأبحاث الخاص بحراس الزمن.
يذهب بون في رحلات زمنية متنوعة وفي أماكن مختلفة، تحدث بعضها في اليابان وبعضها الآخر في أماكن أخرى، مثل جزيرة كريت في آخر سنوات ازدهارها، وأثينا، ومصر، والصين. في كل رحلة، نتعرّف إلى ثقافة المكان في الزمان الذي ذهب إليه الحراس. ولأنهم بحاجة إلى إنقاذ الشخص المطلوب قبل موته كي لا يضطروا إلى إعادة الزمن وإحداث خلل، يعيش بون وريم مغامرات مختلفة ومشوقة لمعرفة ما سيفعلان.
غير أن أنمي حارس الزمان بون لا يقدم التاريخ لأجل التاريخ، المثير للاهتمام أكثر هو تركيزه على كثير من الجوانب الميثولوجية والأساطير التي آمن بها الإنسان عبر الزمن. في ثلاث حلقات مختلفة من أصل 12، يعرض بون وريم هولوغرام لآلهة أو لوحش أسطوري، وذلك لحث الشخص المراد إنقاذه على تغيير مساره عبر رسالة مباشرة من الآلهة التي تقدم له تحذيراً ونبوءة بموته، أو لتخويف المتسبب بالموت. في المرتين اللتين ظهرت فيهما الآلهة في مصر القديمة وجزيرة كريت، رُفضت الأوامر الإلهية مباشرةً لأنها تمس الطموح الشخصي لمتلقي الرسالة، لنرى أن الحضارات العريقة بُنيت بطموح الإنسان وليس بإيمانه. وفي حلقة أخرى، حيث كان على حراس الزمن إنقاذ طفل من انهيار جليدي أثناء ترحاله مع راهب بوذي يصادف أنه نفسه كاتب حكاية "رحلة إلى الغرب". في الحكاية يظهر قرد وخنزير ومخلوق كوبا الأسطوري. وعندما يصادف ارتداء بون زي قرد، وريم زي خنزير أثناء عملية الإنقاذ، يقدم الأنمي تفسيراً طريفاً، هو أن القرد والخنزير في الحكاية ما هما سوى حراس الزمن بأزياء تنكرية، ومخلوق الكوبا الأسطوري هو المرافق بويون. بهذه التفاصيل، تقدم مسافة نقدية بين الطفل والميثيولوجيا، إذ إن كل ما هو أسطوري قد يكون في الحقيقة مجرد ظاهرة أسيء فهمها.
وفي نظرة أخرى نحو الأساطير الحديثة، يُنقذ الحارسان جندياً يابانياً من الموت أثناء الحرب، ومن بعدها من محاولاته المتعددة للانتحار، حيث يقتضي شرف الجندي الياباني، ليعود بعدها إلى حبيبته التي رأيناها (قبل الإنقاذ والعودة بالزمن) عجوزاً وحيدة لم تتزوج وهي تنتظره. في هذه الحلقة، يقدم العمل أهمية الحياة على أساطير الشرف التي تقدس الموت.
وفي تقديمه لجميع الحضارات، يتجنب أنمي حارس الزمان بون إطلاق أي أحكام أو تنميط مسيء على أي أحد، وكل أزياء وثقافة هي صحيحة ومناسبة لعصرها على الرغم من المسافة النقدية التي يسعى إليها، لكنها مسافة لقراءة التاريخ، وليس اتجاه الثقافات بحد ذاتها.
للأطفال رغم كل شيء
لا تعد مشاهدة أنمي حارس الزمن بون تجربة فكرية مناسبة للكبار، فكل شيء فيه؛ من الحبكة، والأدوات التعليمية، والشخصيات، معد للأطفال بين عمر العاشرة والثالثة عشرة. مع ذلك، يبدو أن من شاهدوا الأنمي في حيرة من أمرهم، فالبساطة الكبيرة لا تتناسب مع مشاهد العنف الشديدة في الأنمي، التي يبدو أن تصنيفه عمرياً يختلف بسببها.
بالفعل، ظهرت مشاهد عنيفة، مثل مشهد موت صديق بون الذي تسيل الدماء من وجهه، ثم تنتقل إلى ورقة امتحانه حتى تحمرّ بالكامل، فضلاً عن مشهد قاطع الطرق وهو يلوح بالسيف ويقطع كل شخص يمر بجانبه. وأكثر من ذلك، ظهرت نساء كريت عاريات من الأعلى، وهو ما قد يتم اعتباره مشهداً غير مناسب للأطفال.
غير أن المانغا الكلاسيكية لا تأخذ هذه التصنيفات بعين الاعتبار، خصوصاً أن المانغا ظهرت في السبعينيات حيث كانت ثورة التحرر في عالم المانغا، ويبدو أن "نتفليكس" واستوديو بونز أرادا الحفاظ على هذا الإرث. كما أن مشهد لباس النساء في كريت لم يكن مثيراً بألوانه الباهتة، وعلى العكس فإنه مشهد إيجابي يُظهر أن ما هو غير مقبول في مكان وزمان، عادي وطبيعي في مكان وزمان آخرين وأن هذه المعايير نسبية. أما المشاهد العنيفة، فعنفها نسبي، لكون الألوان بسيطة والرسوم كذلك، لن تبدو بوقع عنيف فعلاً في الوقت الذي يتعرض فيه الأطفال لمشاهد دموية أكثر واقعية في الأنمي.
وعليه، ومع بساطة شخصياته وحبكته، لا يمكن افتراض أن أنمي حارس الزمن بون مقدم للكبار، لكنه بالتأكيد تجربة ممتعة ومليئة بالحنين لأولئك الذين نشؤوا على دورايمون (عبقور) والمخترع الصغير.