استمع إلى الملخص
- من غاسل صحون إلى مؤسس إنفيديا، قصة هوانغ تعكس العزيمة والإصرار في تحويل الأحلام إلى واقع، محققًا ثروة تقدر بـ100 مليار دولار.
- إنفيديا، بقيادة هوانغ، تتصدر الابتكار في تصنيع رقائق الذكاء الاصطناعي، موسعة نطاق منتجاتها لتشمل الهواتف الذكية وأنظمة الملاحة، مما أسهم في نمو قيمتها السوقية بشكل مذهل.
أصبح التايواني جين-سون هوانغ رجل الساعة اليوم في وادي السيليكون، بعد أن جعل من شركة إنفيديا الرائدة في تصنيع وتصميم الرقائق الإلكترونية، ثالث شركة تتجاوز قيمتها ثلاثة تريليونات دولار، متفوقًا على "آبل" و"غوغل" و"ميتا" و"أمازون".
ارتفع سهم الشركة بأكثر من 5% في يونيو/حزيران الحالي، بفضل الاعتماد الهائل لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على الرقائق الإلكترونية التي صارت الشركة هي الأولى عالمياً في تصنيعها، والتوقعات القوية لازدهار تصنيع الأجيال الأحدث منها.
في نهاية مارس/آذار الماضي أيضاً، سجلت "إنفيديا" ارتفاعاً كبيراً في قيمتها السوقية، بعدما ارتفع سعر السهم خمسة أضعاف، وتضاعف إجمالي المبيعات بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ أطلقت شركة أوبن إيه آي "تشات جي بي تي" في 2022، الذي فجّر طفرة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ما سمح لـ"إنفيديا" بفرض نفسها كعملاق للتكنولوجيا، متفوقة في البورصة على شركات "غوغل" و"ميتا" و"أمازون". بهذا، تتخطّى الشركة الرائدة في إنتاج معالجات الرسوم وبطاقات العرض المرئي وتصميم الرقائق الإلكترونية شركات أضخم، لتصبح ثاني أكثر الشركات قيمة في العالم بعد "مايكروسوفت".
وفي الوقت نفسه، اقتربت ثروة الرئيس التنفيذي للشركة جين-سون هوانغ (61 عاماً) من حاجز الـ100 مليار دولار. ووفقاً لمؤشر بلومبيرغ للمليارديرات، لم تشهد ثروة شخص هذا النمو المتسارع الذي شهدته ثروة هوانغ خلال 2023، إذ تتضاءل أرباح مؤسس "فيسبوك" مارك زوكربيرغ (48 مليار دولار)، أمام أرباح هوانغ (63 مليار دولار) عن العام الماضي فقط.
جين-سون هوانغ... من أسرع غاسل صحون إلى إمبراطور الرقائق الإكترونية
على الرغم من أن هذا الإنجاز كان متوقعاً، نظراً إلى تضاعف أرباح الشركة في السنوات الثلاث الأخيرة، خاصة بعد طفرة "تشات جي بي تي" في 2022، فإن عيون وادي السيليكون اتجهت جميعها الأسبوع الماضي إلى جين-سون هوانغ، الأميركي ذي الأصل التايواني، بوصفه السر في هذا النجاح المثير، والذي حوّله من أسرع غاسل صحون في المطاعم، إلى أن يصبح إمبراطور الرقائق الإلكترونية الأول في وادي السيليكون اليوم.
لم يتصور المراهق التايواني الذي دخل أميركا مع شقيقه في التاسعة من عمره أن يصبح أحد أغنياء العالم، حتى بعد أن قرر وهو في الثلاثين أن يشارك صديقيه كريس مالاشوفسكي وكيرتس بريم تأسيس شركة ِإنفيديا في أحد فروع سلسلة مطاعم Denny في سان خوسيه في كاليفورنيا عام 1993. وكان على الأصدقاء الثلاثة، وجميعهم مهندسون متخصصون في تصنيع رقائق الكمبيوتر، أن يكتشفوا معاً كيف سيقودون شركتهم الوليدة في ظل منافسة شركات وادي السيليكون التي لا ترحم، وكما يشرح جين-سون هوانغ في برنامج 60 دقيقة: "لم يكن أحد منّا يعرف كيف يدير شركة من هذا النوع آنذاك".
حدث هذا منتصف عقد التسعينيات، عشية ثورة الكمبيوتر التي دُشّنت بإطلاق نظام التشغيل Windows 95. وفي الوقت الذي كان تطوير ألعاب الفيديو يتسارع لتتحول من ثنائية إلى ثلاثية الأبعاد. أراد المهندسون الثلاثة تعزيز قوة الحوسبة لأجهزة الكمبيوتر باستخدام رقائق أدق وأكثر سرعة. وأوضح هوانغ في محاضرة ألقاها، أخيراً، في جامعة ستانفورد التي تخرج فيها مهندساً للكمبيوتر: "بنينا شركة لحل المشاكل التي لا تستطيع أجهزة الكمبيوتر الأخرى حلّها، وهي مهمّتنا حتى اليوم"، فيما يشرح شريكه كيرتس بريم: "أردنا أن تكون الرقائق الجديدة "خضراء وخالية من الحسد"، ولهذا السبب اخترنا اسم إنفيديا Nvidia، المشتق من كلمة إنفيديا Invidia اللاتينية والتي تعني الحسد".
أشار جين-سون هوانغ مراراً إلى أن "إنفيديا" لم "تكتشف الذكاء الاصطناعي، لكنها تجرأت على حجز مقعدها في الصفوف الأولى منذ اكتشاف ما يمكن أن يغيره الذكاء الاصطناعي في جميع نواحي حياتنا اليوم".
كيّفت الشركة رقائقها الإلكترونية، ليس فقط مع تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بل أيضاً مع النظام البيئي المحيط بها، بما في ذلك البرامج التي تستخدمها، فأحدثت طفرة غير مسبوقة في أجهزة الكمبيوتر وألعاب الرسوم ثلاثية الأبعاد، كما أتاحت منتجاتها إمكانيات معالجة متوازية للباحثين والعلماء في الطب والهندسة والعمارة، بدءاً من تشغيل تطبيقات عالية الأداء، وصولاً إلى الاستفادة من قدرات الحوسبة الفائقة. ومن أبرز منتجات "إنفيديا" أجهزة الألعاب المحمولة "إكس بوكس" و"سيغا ساترن" و"بلايستيشن"، كما تتخصص الشركة أيضاً في تصنيع معالجات تيغرا للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، بالإضافة إلى أنظمة الملاحة والترفيه في السيارات والسفن.
هاجر جين-سون هوانغ من تايوان إلى كنتاكي الأميركية طفلًا برفقة أخيه الأكبر، وحيدين ودون والديهما، وكان عليه منذ البداية أن يتحمل التنمر اليومي من زملائه في المدرسة الداخلية التي التحق بها كونه تايوانياً. لكن هوانغ برع في مراهقته لاعبا ناشئا لتنس الطاولة، وبدأ العمل أثناء دراسته منظف مراحيض. وقال في لقاء جمعه بطلبة جامعة ستانفورد بداية هذا العام: "لقد نظفت مراحيض في حياتي أكثر مما فعلتم جميعاً"، ثم واصل وسط تصفيق القاعة: "لا توجد مهمة تافهة أو صغيرة بالنسبة لي".
بهذه الطريقة، يحب المدير التنفيذي لشركة إنفيديا أن يقدم نفسه تحت الأضواء. وطالما استعاد أول وظيفة له كغاسل صحون في مطاعم Denny وهو في الخامسة عشرة من عمره أمام الشباب المنبهر بنجاحه قائلًا: "ربما كنت أفضل غاسل صحون عرفته سلسلة مطاعم Denny على الإطلاق".
لكن هذا لا يغير من حقيقة أن الرجل لا يتحمل أي أخطاء أو هفوات من العاملين معه، لذا عرف عنه تعامله القاسي مع فريقه، وهو ما يبرره بقوله: "إذا أردت أن تخلق كياناً اقتصادياً ناجحاً، فيجب أن تتعامل بقسوة وبلا مشاعر أحياناً".
إمبراطورية "إنفيديا"
تستحوذ "إنفيديا" اليوم على ما يقرب من 80% من سوق رقائق الذكاء الاصطناعي في العالم، وتتقاضى هوامش ربح تتراوح بين 70 و80% من الشركات التي تتعامل معها، أما شركة إنتل (Intel) التي تفوقت على "إنفيديا" ذات يوم في تصنيع الرقائق الإلكترونية، فهي تصارع الآن للحاق بها بعدما فاقتها الأخيرة وصارت قيمتها السوقية أكثر من قيمة "إنتل" نفسها بـ23 مرة.
لم يمر النجاح الذي حققته "إنفيديا" مرور الكرام على سكان وادي السيليكون، بل أشعل المنافسة وأعلن عن بدء سباق متسارع لتطوير رقائق الذكاء الاصطناعي، حتى أن شركة مثل "ألفابت" (Alphabet)، التي كانت أحد أكبر عملاء "إنفيديا"، أصبحت اليوم منافسة للشركة وتطور رقائقها الخاصة. وفي الوقت نفسه، يخاطر هوانغ المدير التنفيذي بالتورط في التوترات الجيوسياسية المتأزمة حالياً بين واشنطن وبكين، خاصة وأن شركته تصنع رقائقها في بلده تايوان.
عام 1999، طُرحت أسهم "إنفيديا" للاكتتاب العام في البورصة، ويستطيع أولئك الذين اشتروا السهم وقتها بسعر 0.41 دولار للسهم الواحد أن يعتبروا أنفسهم اليوم من ذوي الملايين، خاصة حين نذكر أن سعر السهم الواحد وصل في السابع من يونيو الحالي إلى نحو 1203 دولارات، ولكن حتى عام 2016 لم يتجاوز سعره العشرة دولارات.
عام 2016، سلّم هوانغ أول كمبيوتر عملاق من "إنفيديا" إلى مكاتب شركة أوبن إيه آي بنفسه، إذ استلمه إيلون ماسك رئيس مجلس الإدارة آنذاك من هوانغ في حفل كبير شكل نقطة تحول للصناعة كلها. وعندما أطلقت "أوبن إيه آي" ثورتها الجديدة "تشات جي بي تي" في 2022، قررت "إنفيديا" الدخول في ركب تصنيع رقائق الكمبيوتر الأسرع والأكثر إتقاناً، والمستخدمة اليوم في جميع أنظمة الكمبيوتر الحديثة فائقة السرعات.
عودة إلى مؤشر بلومبيرغ للمليارديرات، حيث يحتل جين-سون هوانغ اليوم المرتبة الـ14 ضمن أغنى 15 رجلاً على وجه الأرض، بعد جيف بيزوس وإيلون ماسك ومارك زوكربيرغ، يلاحظ أن 10 أسماء من هذه القائمة أصحابها من أثرياء التكنولوجيا، ما يطرح السؤال مجددًا: أين نحن من كل هذا؟
إذا كانت "إنفيديا" استغرقت 30 عاماً لتبلغ قيمتها السوقية 1000 مليار دولار في منتصف يونيو/حزيران 2023، فقد استغرق الأمر تسعة أشهر فقط لتصل الـ1000 مليار دولار الثانية في مارس/آذار الماضي، وها هي بعد ثلاثة أشهر فقط تصل اليوم إلى الـ1000 مليار دولار الثالثة، فكيف ستكون أرباح الشركة في الشهور القليلة المقبلة؟