جيمي سافيل... كقاتلٍ يُقحم نفسه في التحقيق

09 ابريل 2022
كان يتحرّش بالنساء علناً على التلفاز (جورج ويلكز / Getty)
+ الخط -

لم يكُن الإعلامي البريطاني، جيمي سافيل (Jimmy Savile)، بحاجة إلى أكثر من شعر أشقر طويل، وملابس فاقعة الألوان، وإصبع سيجار في فمه، كي يصبح واحداً من أكثر الشخصيات شهرةً وأهمية في بريطانيا. أو، ربّما، بلى، كان بحاجة إلى أكثر من ذلك بكثير؛ أن يكون إعلامياً ونجماً تلفزيونياً ساطعاً، ومصارعاً، ومقرّباً للغاية من العائلة الملكية في تلك البلاد، ومن رئيسة وزرائها مارغريت تاتشر.

ماذا أيضاً؟ جولات على طول البلاد، يُنجز فيها أعمالاً خيرية، ويقدّم المساعدات للمرضى في المستشفيات، ويجمع ملايين الباوندات كتبرّعات للمستشفيات والمؤسسات الصحية وجمعيات العمل الإنساني، ويحقق أمنيات الأطفال... ويعتدي عليهم جنسيّاً.

كل ما ذُكر أعلاه، نتعرّف إلى تفاصيله في وثائقي يحمل عنوان "جيمي سافيل: قصة رعب بريطانية" (Jimmy Savile: A British Horror Story) بدأت منصّة "نتفليكس" بثّه أخيراً. يتألّف العمل من حلقتين، نتعرّف فيهما إلى مسيرة سافيل الإعلامية التي بدأت منتصف الخمسينيات، واستمرّت حتى عام 2009، أي قبل رحيله بعامين.

تلك المسيرة الحافلة بدت للبريطانيين كأنّها سيرةُ مُخلّص جديد؛ فالرجل لم يترك بقعةً في بلادهم إلا كان له أثر فيها، من خلال زياراته لمختلف المدن، وعمله متطوّعاً في مستشفياتها ومراكزها الصحية. هناك، كان يساعد الطواقم الطبية، ويستمع إلى ما يحتاجونه، ويجلس مع المرضى وينصت إليهم، ويجمع التبرّعات من أجلهم. وبسبب الشعبية الكبيرة التي حظي بها، كان سهلاً عليه أن يحصل على أي مبلغ يريده؛ إذ يكفي فقط أن يظهر في التلفاز، ويقول إنه بحاجة إلى مبلغ معيّن لدعم مؤسّسة ما؛ فيهبّ البريطانيون لتلبية النداء.

قد يكون هذا الأمر سبباً في قربه من العائلة المالكة في بريطانيا. فالأخيرة، كما يصفها الوثائقي، مُنعزلة وبعيدة عن الناس، ومثّل سافيل همزة الوصل بين البلاط الملكي والشعب. يمتلئ الأرشيف التلفزيوني البريطاني للقاءاته بالأمير تشارلز، والأميرة ديانا، ومارغريت تاتشر. وحين يُسأل عن سرّ قربه من هذه العائلة التي منحته وسام الفروسية، تأتينا الإجابة منه: "لا تعليق".

سينما ودراما
التحديثات الحية

الشعبية التي حظي بها الرجل جعلته منيعاً ومحصّناً ضد أي شيء. ما كان يرتكبه سافيل علناً، أمام الجميع على التلفاز، من أفعال تحرّش، كانت تمرّ كما لو أنّها مجرّد مزاح. لم يقتصر الأمر على التحرّش اللفظي والتلميحات الجنسية، بل تجاوز ذلك إلى ممارسة التحرّش لمساً، وتقبيلاً. يسأله مذيع إن كان يمارس لعبة السكواتش. يجيب سافيل: "أمارس العَصْر (Squeeze) والضغط (Press)". في لعب على كلمتي Squash وSqueeze. تلميح جنسي صريح تعمّد به أن يتحرّش بمذيعة البرنامج التي قدّمت شهادتها في الوثائقي، مع إبدائها شيئاً من الندم على تقبّلها لذلك. ليس هذا وحسب، كان سافيل يُشير صراحةً إلى أنه يحبّ النساء، ويسعى لمضاجعة أكبر قدر منهنّ.

وفي مقابلة له، أشار، من دون مناسبة أو مبرر، إلى أن المتحرّشين والمعتدين على الأطفال تجب معاقبتهنّ بشدة. كأنّه قاتلٌ يُقحم نفسه في التحقيق كي يُبعد الشبهات عنه.

ردود الفعل على هذه الممارسات والبذاءات، توضّح لنا ما كان يتخفّى سافيل خلفه من ستائر كثيرة، تحجب عمّن يتعامل معه حقيقته؛ فهو، بالنسبة إلى البريطانيين، مزيج بين المسيح المخلّص، وسانتا كلوز، ونجم تلفزيوني عمل لـ "بي بي سي" لسنوات طويلة. وكما تقول إحدى ضحاياه: "لقد باركه البابا نفسه. كيف سيصدّقنا أي أحد؟".

شكاوى كثيرة قُدِّمت بحق الرجل، لكن المؤسسات لم تتعامل معها بجدية على الرغم من خطورتها. والمؤسسات هنا، هي المؤسسات الأمنية متمثّلة بجهاز الشرطة، والمؤسسات الصحافية التي أهملت التحقيقات أو أوقفتها.

في 2012، وبعد عام على رحيله، وبعد تحقيقات في شكاوى قُدّمت ضده، تبيّن أن سافيل اعتدى على أكثر من 400 فتاة وامرأة جنسياً، بين عامي 1955 و2009، راوحت أعمارهن بين 11 عاماً، و75 عاماً. طوال 54 عاماً، عاش وحشٌ في مستشفيات ومصحّات ودور رعاية وكنائس بريطانيا، لكن قرّر الجميع أن يُغمض عينيه عن ذلك.

المساهمون