جيزيل بيليكو... جلسات استماع علنية وإعلام صامت

11 سبتمبر 2024
أصرّت جيزيل بيليكو على الدخول والخروج من البوابات الرئيسية (كريستوف سيمون /فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تفاصيل الجريمة واكتشافها**: رجل يبلغ 71 عاماً خدر زوجته جيزيل بيليكو لعشر سنوات ودعا رجالاً لاغتصابها. اكتشفت الجريمة في 2020 بعد القبض عليه بتهمة التقاط صور غير لائقة.

- **رغبة الضحية في المحاكمة العلنية**: جيزيل وأبناؤها طلبوا جلسات علنية رغم محاولة الادعاء ومحامي الدفاع إبقاءها مغلقة. القضية تستند إلى صور وأفلام واعترافات المتهمين.

- **دور التكنولوجيا في الكشف عن الجريمة**: التكنولوجيا كشفت 3800 ملف توثق 200 حادثة اغتصاب. تم تحديد 73 رجلاً و54 منهم تم التعرف عليهم. القضاء أغلق الموقع المستخدم للجريمة.

بدأت هذا الأسبوع جلسات الاستماع في واحدة من أكثر القضايا التي تشغل الرأي العام في فرنسا: على مدار عشر سنوات، خدّر رجل ستيني (يبلغ اليوم 71 عاماً) زوجته، السيدة جيزيل بيليكو ودعا رجالاً إلى البيت لاغتصابها أثناء نومها. اكتشفت جيزيل بيليكو الجريمة في عام 2020، وذلك عن طريق الصدفة البحتة. مع الإعلان عن بدء المحاكمة في هذه القضية، بدأ الرأي العام الفرنسي والدولي باكتشاف تفاصيل واحدة من أبشع جرائم الاعتداء الجنسي. تفاصيل تنشرها الصحافة الفرنسية منذ يوم الاثنين، ومن المرجح أن تستمرّ على مدار أربعة شهور، وذلك إلى حين انتهاء هذه المحاكمة.

رغبة جيزيل بيليكو بالمحاكمة العلنية

نشر التفاصيل، واطلاع الرأي العام على ما يجري داخل المحكمة، هو في الأساس رغبة الضحية نفسها: الزوجة. هي وأبناؤها الثلاثة، طلبوا عبر محاميهم، جعل جلسات الاستماع علنيّةً، على الرغم من محاولة الادّعاء العام ومحامي الدفاع عن المتهمين تركها مُغلقة. القضية حساسة، ومفتاح الكشف عنها مجموعة من الصور والأفلام التي تركها الزوج على هاتفيه وحاسوبه، وستكون جزءاً من الأدلة المعروضة في المحاكمة، إضافة إلى اعترافات المتهمين، التي ستكون صعبة وقاسية، خاصة أن الضحية ليست على دراية بأي من جرائم الاغتصاب تلك. ستستمع الضحية إلى عشرات قصص الاغتصاب، وستشاهدها، بينما كانت فاقدة للوعي، ومعها سيشاهدها ويسمعها كثيرون، وسيُطلعون الرأي العام عليها. ولكن موقف جيزيل بيليكو واضح: "ليس نحن من علينا الخجل من أنفسنا". وهذا ما يجعل تغطية القضية إعلاميّاً ذات أهمية قصوى، نظراً إلى المسؤولية التي تقع على عاتق الإعلاميين.
مع بدء أولى جلسات الاستماع يوم الاثنين، حضرت جيزيل بيليكو إلى المحكمة وأصرّت على الدخول والخروج من البوابات الرئيسية على مرأى من الجميع. لا مواربة ولا محاولات تغطية للوجه. واجهت عدسات الصحافيين بثقة وثبات، هي وأبناؤها. بينما ارتدى العشرات من الخمسين موقوفاً (إلى الآن) الكمّامات الطبية، محاولين إخفاء وجوههم قدر المستطاع. وهذا ما أرادت الضحية إيصاله إلى الرأي العام: المجرم هو من يحاول التخفّي.
تأخذ هذه القضية، منذ أيام، مساحة كبيرة في الصحافة المكتوبة في فرنسا. بينما تبدو تغطية الإعلام المرئي خجولة إلى حدّ ما، وهذا إذا ما قارنّاها بالمساحات التي سبق أن فردتها لقضايا أخرى "مشابهة". المحاكمة التي تصفها الصحافة المكتوبة بـ"التاريخية" و"المرعبة"، نالت مساحتها أيضاً في الصحافة العالمية، وذلك كواحدة من قضايا العصر الأكثر بشاعةً.
وبينما تعبّر النساء عن غضبهنّ واستنكارهنّ وخوفهنّ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو في الشارع، قرّرت صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة أن تتناول القضية على طريقتها المعتادة. رسمٌ مهين خلط بين قضية الاغتصاب والأزمة الحكومية الراهنة في فرنسا. أثار الرسم المنشور في العدد الأخير من الصحيفة غضباً على وسائل التواصل الاجتماعي. رسم غير آبه بمشاعر الضحية، واستخدامها سبيلاً للتعليق على أزمة سياسية. دمجٌ غريب في لحظة لا يجب أن يعلو فيها سوى صمت وملامح تلك المرأة الضحية.

دور التكنولوجيا

لم يكن ليعرف أحد عن جريمة هذا الرجل، والرجال المشاركين معه، من دون مفتاح أساسي اسمه التكنولوجيا. خلال عشر سنوات، ارتكب الرجل ومن معه جرائمهم من دون علم من أحد. وذلك حتى يومٍ من عام 2020، عندما انتبه رجل الأمن في أحد المتاجر إلى الزوج وهو يلتقط صوراً غير لائقة للنساء في المتجر. أوقف الرجل، واقتيد إلى الشرطة التي فتشت هاتفيه، فاعترف بجريمته بتصوير النساء. ولكن من الهاتفين، انتقلت الشرطة إلى منزل الزوجين لتفتيشه، وتالياً تفتيش حاسوب الرجل. وقعت الشرطة حينها على كثير من الصور وعلى فيديو واحد، لكنها وقعت أيضاً على محادثات الزوج مع رجال آخرين على أحد المواقع الإلكترونية. فحوى تلك الأحاديث: دعوته الرجال على أحد المواقع الإلكترونية للقدوم إلى منزله والقيام بعلاقات جنسية مع زوجته.

اعترف الزوج/الأب/المجرم لرجال الشرطة ولزوجته بكل شيء، ودلّهم على المكان الذي خبّأ فيه الأدوية التي كان يستخدمها لتخدير زوجته وتالياً اغتصابها. كما أعطاهم قرصاً صلباً كان قد خبّأه في مكتبه، يحتوي على 3800 ملفّ، بينها صور وفيديوهات أرشفها مع بعض التفاصيل، أو أرقام الهواتف أو حتى التواريخ. 200 حادثة اغتصاب أرشفها الرجل في قرص صلب وضعه في مكتبه.
هنا بدأ عمل الشرطة، التي تمكّنت من تحديد 73 رجلاً شاركوا في عمليات الاغتصاب هذه. اكتشفوا هويات 54 منهم، وذلك من خلال تتبّع وجوههم الظاهرة في الفيديوهات، أو أرقام الهواتف على تلفون الزوج أو الحسابات التي استخدموها على الموقع... لائحة طويلة. جميعها كان المفتاح فيها: التكنولوجيا.

وكان القضاء الفرنسي، في نهاية شهر يونيو/ حزيران من هذا العام، وتحديداً القضاء الوطني لمحاكمة الجريمة المنظمة، قد أخذ قراراً بإغلاق هذا الموقع، وذلك بعد التأكّد من الدور الذي لعبه في أكثر من جريمة حصلت في فرنسا. إضافة إلى الوجود الكثيف فيه، سواء لمضمون أو لأشخاص بيدوفيليين أو مغتصبين. بعد عشرين سنة من السماح للفرنسيين باستخدام الموقع، بكل المحتوى غير القانوني ومراقبة الشرطة لنشاطات ومحادثات مستخدميه، أُغلق قبل شهرين من بدء المحاكمة في قضية الاغتصاب الأخيرة.

المسؤولية الموضوعة اليوم على الإعلام الفرنسي كبيرة. هذه ليست قضية عادية، ولا بدّ من أن تكون التغطية والمتابعة على قدر الحدث، خاصة أن ذلك يأتي بطلب من جزيلي بيليكو نفسها. حساسية القضية تكمن في تفاصيلها وكيفية تداولها، لا سيما أن إمكانية استخدام الدفاع الإعلام لصالح المتهمين أمرٌ وارد. وهذا ما حصل في قضايا سابقة في فرنسا. وليس من باب المقارنة بين القضيتين، ولكن الإعلام الفرنسي ما زال يعيش حتى اليوم عقدة دوره السلبي في قضية "الطفل غريغوري"، التي وقعت في الثمانينيات في فرنسا. حينها، تحوّلت قضية الطفل إلى لعبة من الاستعراض الإعلامي، الذي حرّف مسار التحقيق وأدّى إلى أن يكون قتلة الطفل مجهولي الهوية. تتفرّع موضوعات قضية "الاغتصاب" الحالية، من الاعتداء الجنسي، إلى القضاء، والتكنولوجيا، واستخدام المنوّمات وكيفية الحصول عليها. كلّها قضايا سيتوجب على الإعلام والصحافة مناقشتها وعرضها وتطوير مهاراته في التعامل معها مستقبلاً.

المساهمون