جوليان أسانج حرّ... الخلاص أخيراً من الملاحقة الأميركية

25 يونيو 2024
أنصار جوليان أسانج في لندن، 26 مارس 2024 (غَي سمولمان/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- جوليان أسانج، مؤسس ويكيليكس، أُطلق سراحه وغادر بريطانيا إلى أستراليا بعد إقراره بذنبه في تهمة تتعلق بالتآمر للحصول ونشر معلومات دفاعية، مما أنهى نزاعًا قانونيًا استمر لسنوات.
- أسانج واجه 18 تهمة من الولايات المتحدة بسبب نشر وثائق سرية أمريكية، مما أثار جدلًا حول حقوق الإنسان وحرية التعبير.
- الضغوط الدولية والمحلية، بما في ذلك دعوات من الحكومة الأسترالية، أدت إلى تسوية قضيته، مع ترحيب واسع من الصحافيين وناشطي حقوق الإنسان، معتبرين ذلك انتصارًا لحرية الصحافة.

أعلن موقع ويكيليكس أن "جوليان أسانج حرّ"، إذ أطلق سراحه فجر اليوم الثلاثاء وغادر بريطانيا، بعد توصله إلى اتفاق تاريخي مع الولايات المتحدة، أقر فيه بذنبه، ليطوي صفحة مسلسل قانوني استمر سنوات طويلة.

بقي أسانج موقوفاً في بريطانيا خمس سنوات وهو يحاول مقاومة ترحيله إلى الولايات المتحدة التي سعت لملاحقته قانونياً بتهمة الكشف عن أسرار عسكرية. ووافق على الإقرار بتهمة واحدة هي التآمر للحصول على معلومات تتعلق بالدفاع الوطني ونشرها، وفق وثيقة رُفعت إلى المحكمة في جزر ماريانا الشمالية الواقعة في المحيط الهادئ.

وأقلّت طائرة مستأجرة أسانج (52 عاماً)، من لندن إلى بانكوك، حيث توقفت للتزوّد بالوقود. ومن هناك توجهت إلى سايبان، عاصمة جزر ماريانا الشمالية التابعة للولايات المتحدة، حيث سيمثل أسانج أمام محكمة صباح الأربعاء في الساعة التاسعة بالتوقيت المحلي (الثلاثاء 23:00 بتوقيت غرينتش، الأربعاء 2:00 بتوقيت الدوحة). ويتوقع أن يُحكم عليه بالسجن خمس سنوات وشهرين، وهي المدة التي أمضاها موقوفاً في بريطانيا. يعني ذلك بأنه سيستعيد حريّته على الفور ويعود إلى وطنه أستراليا، حيث ترى الحكومة أن قضيته "طال أمدها لفترة طويلة جداً، وليس هناك ما يمكن كسبه من استمرار سجنه".

لماذا كان جوليان أسانج ملاحقاً؟

كان أسانج (52 عاماً)، مطلوباً من قبل واشنطن لنشره مئات آلاف الوثائق السريّة الأميركية منذ العام 2010 من خلال منصبه كرئيس موقع ويكيليكس. من جهة، أصبح أسانج بطلا يمثّل حريّة التعبير بالنسبة للمدافعين عن الحق في ذلك حول العالم. من جهة أخرى، يرى آخرون أنه عرّض الأمن القومي الأميركي ومصادر استخباراتية للخطر عبر الكشف عن أسرار، وأنه "مجرّد شخص خسيس".

وسعت الولايات المتحدة إلى محاكمة أسانج لنشره أسراراً عسكرية عن حربي العراق وأفغانستان. ووجّهت هيئة محلّفين فيدرالية كبرى 18 تهمة رسمية لأسانج في العام 2019، تتعلّق بنشر "ويكيليكس" مجموعة من الوثائق المرتبطة بالأمن القومي.

دان نائب الرئيس الأميركي السابق مايك بنس صفقة الإقرار بالذنب على منصة إكس، ووصفها بأنها "إجهاض للعدالة... يقلل من شأن خدمة وتضحية الرجال والنساء في قواتنا المسلحة".

نشر "ويكيليكس" تسجيلاً مصوّراً لأسانج وهو يتحدّث إلى مجموعة من الأشخاص من مكتب على ما يبدو، قبل صعوده إلى طائرة. وعبّرت عائلة أسانج عن امتنانها العميق للإفراج عنه، بما في ذلك والدته كريستين أسانج، التي قالت، في بيان أوردته وسائل الإعلام الأسترالية، إنها تشعر "بالامتنان لانتهاء معاناة" نجلها أخيراً. أما زوجته ستيلا، فشكرت المدافعين عنه، وقالت على منصة إكس إن "الكلمات لا يسعها التعبير عن حجم امتناننا الهائل". التقى أسانج زوجته عندما كان متحصّناً داخل سفارة الإكوادور في لندن، وتزوج بها لاحقاً في مراسم أقيمت في السجن، وأنجبا طفلين.

جاء الإعلان عن الصفقة قبل أسبوعين من الموعد المقرر لمثول أسانج أمام المحكمة في بريطانيا للطعن في حكم أيّد تسليمه إلى الولايات المتحدة. بقي أسانج موقوفاً في سجن بلمارش الخاضع لإجراءات أمنية مشددة في لندن منذ إبريل/ نيسان 2019. وأوقف بعدما أمضى سبع سنوات في سفارة الإكوادور في لندن لتجنّب تسليمه إلى السويد حيث كان يواجه اتّهامات بالاعتداء الجنسي أُسقطت لاحقاً. شملت المواد التي نشرها تسجيلاً مصوّراً يظهر مدنيين يتعرّضون للقتل بنيران مروحية أميركية في العراق عام 2007. كان من بين الضحايا صحافيان يعملان لدى وكالة رويترز.

ووجّهت الولايات المتحدة اتهامات لأسانج بموجب قانون التجسس العائد للعام 1917، وهو ما حذر أنصاره من أنه قد يفضي إلى سجنه لمدة تصل إلى 175 عاماً. ووافقت الحكومة البريطانية على تسليمه في يونيو/ حزيران 2022. وفي آخر مستجدات هذه القضية، أفاد قاضيان بريطانيان، في مايو/ أيار الماضي، بأن بإمكانه استئناف الحكم القاضي بتسليمه إلى الولايات المتحدة. كان من المفترض أن يتضمن هذا الطعن مسألة ما إذا كان أسانج، بصفته أجنبياً يحاكم في الولايات المتحدة، سيتمتع بالحماية التي يوفرها حق حرية التعبير المنصوص عليه في المادة الأولى من الدستور الأميركي.

ضغط أسترالي على واشنطن

لم تكن صفقة الإقرار بالذنب مفاجئة تماماً، إذ تتزايد الضغوط على الرئيس الأميركي جو بايدن لطي صفحة قضية أسانج المستمرة منذ سنوات طويلة. وفي فبراير/ شباط الماضي، قدّمت الحكومة الأسترالية طلباً رسمياً في هذا الصدد، وأكد بايدن أنه سينظر فيه، ما عزز آمال أنصار أسانج حيال إمكان وضع حد لمعاناته. ولم يشارك البيت الأبيض في التسوية في قضية أسانج، وفقاً لمسؤول في البيت الأبيض تحدث إلى وكالة أسوشييتد برس شرط عدم الكشف عن هويته. وقال رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، الذي يضغط من أجل أن تنهي الولايات المتحدة ملاحقتها القضائية لأسانج، للبرلمان إن مبعوثاً أسترالياً سافر مع أسانج من لندن. وأضاف: "بغض النظر عن آراء الناس حول أنشطة أسانج، فقد اسغرقت القضية فترة طويلة جداً. لا شيء يمكن كسبه من استمرار سجنه، ونريد إعادته إلى وطنه أستراليا".

وأفادت الباحثة الكبيرة في معهد أستراليا للأبحاث إيما شورتيس، لوكالة فرانس برس، بأن كانبيرا وواشنطن على حد سواء "تدركان أن على هذه المسألة أن تنتهي". وقالت شورتيس: "كان من المستحيل ألا تتحول هذه القضية إلى مشكلة بالنسبة للتحالف" الأميركي الأسترالي.

كان ممثلون من الكونغرس الأميركي، سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين، قد دعوا الولايات المتحدة إلى إسقاط القضية. وعلى الرغم من مشاكل "ويكيليكس" مع الديمقراطيين، بسبب تسريب رسائل البريد الإلكتروني للحملة الديمقراطية المخترقة خلال السباق الانتخابي لعام 2016، كتبت مجموعة من الحزب إلى وزارة العدل في إبريل 2023 رسالة تقول إن الملاحقة القضائية لأسانج قوّضت مصداقية الولايات المتحدة كمدافع عن حرية التعبير وحرية الصحافة. وفي بيان نشره الاتحاد الدولي للصحافيين في إبريل 2023، عبّر عن قلقه البالغ إزاء تأثير احتجاز أسانج المستمر على حرية الإعلام وحقوق جميع الصحافيين على مستوى العالم. ووصف الاتحاد ملاحقة الولايات المتحدة لأسانج بأنها "تتعارض مع حق عامة الناس في المعرفة، وتشكّل تهديداً خطيراً للمبادئ الأساسية للديمقراطية، التي أصبحت هشّة على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم"، وأكّد أن تسليمه للولايات المتحدة سيكون له تأثير مروع، إذ "تشكل هذه القضية سابقة خطيرة حيث يمكن الآن استهداف العاملين في وسائل الإعلام، في أي بلد، من قبل الحكومات، في أي مكان في العالم، للمساءلة عن نشر معلومات للصالح العام".

وكان الحكم بحق تشيلسي مانينغ، التي تعاونت مع أسانج لنشر المواد المثيرة للجدل، قد خفف من قبل الرئيس باراك أوباما. ولم يُلاحق أيٌّ من شركاء "ويكيليكس" الإعلاميين في أي إجراء قانوني للحكومة الأميركية بسبب تعاونهم مع أسانج.

وفي أحد شوارع سيدني، قال مدير في قسم تكنولوجيا المعلومات في إحدى الشركات، يدعى نيش فير (41 عاماً)، لوكالة فرانس برس، إن أسانج "قام بشيء أثار بوضوح حفيظة الكثير من الأشخاص... لكن هل يمكن احتجاز شخص ما بهذه الطريقة؟". أما المتقاعد جون بلانكو (64 عاماً)، فأعرب عن "سعادته البالغة" بعودة أسانج إلى أستراليا بعد كل هذه السنوات، وأضاف: "أظن أنه عاش في جحيم".

احتفاء حول العالم

احتفى صحافيون ومحامون وسياسيون وناشطون حقوقيون بنيل جوليان أسانج حريته، واغتنم كثيرون المناسبة للتذكير بالسبب الرئيسي وراء ملاحقته طوال السنوات الماضية: فضح الجرائم الأميركية.

ورحّبت الأمم المتحدة بإطلاق سراح مؤسس "ويكيليكس"، إذ قالت الناطقة باسم مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ليز ثروسيل: "نرحّب بإطلاق سراح جوليان أسانج من المعتقل في المملكة المتحدة"، لافتة مع ذلك إلى أن صفقة الإقرار بالذنب النهائية ما زالت بانتظار إقرارها. وتابعت: "كما سبق وأشرنا، أثارت هذه القضية مجموعة من المخاوف المرتبطة بحقوق الإنسان".

وكتب زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيريمي كوربن على منصة إكس: "جوليان أسانج حرّ. جوليان فضح جرائم النافذين. سجنه، كان وسيظل دائماً، إجهاضاً فظيعاً للعدالة. لا تتوقفوا أبداً عن القتال من أجل الحقيقة. لا تفقدوا الأمل أبداً. لا تستسلموا أبداً".

وعلّق زعيم حزب "فرنسا غير الخاضعة" جان-لوك ميلانشون على منصة إكس: جوليان أسانج حرّ أخيراً! أخيراً! سنوات كثيرة أزهقت. وأخيراً، أسانج يخرج إلى الضوء. ساعدتني صورته في مكتبي على الصمود مرات عدة. أسانج حرّ، ونحن جميعاً بإمكاننا أن نكون كذلك".

وقال الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو عبر منصة إكس: "أهنئ جوليان أسانج على نيله الحرية. السجن والتعذيب اللذان تعرض لهما أسانج يمثلان اعتداء على حرية الصحافة على نطاق عالمي. إن إدانة مذبحة المدنيين في العراق على يد الأميركيين كانت جريمته، والآن تتكرر المذبحة في غزة". ودعا جوليان أسانج وزوجته المحامية ستيلا أسانج إلى زيارة كولومبيا "لنقوم بشيء ما من أجل الحرية الحقيقية".

المساهمون