جوائز "كارلوفي فاري الـ56": الأجمل خاسرٌ

13 يوليو 2022
"صيف مع أمل" لصدف فروجي: موضوع بسيط لكن الجائزة بلورية (الملف الصحافي)
+ الخط -

مع ختام الدورة الـ56 (1 ـ 9 يوليو/ تموز 2022) لـ"مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي"، بدت الجوائز، خاصة تلك المتعلّقة بالمسابقة الرئيسية "الكرة البلورية"، مُنحازة أكثر إلى السرد الدرامي التقليدي، لا إلى الرؤى والمعالجات والأساليب السينمائية المبتكرة؛ إذْ فاز الفيلم الدرامي "صيف مع أمل"، للإيرانية الكندية صدف فروجي، بجائزة "الكرة البلورية"، وبمكافأة مالية بقيمة 25 ألف دولار أميركي.

موضوع "صيف مع أمل" بسيطٌ للغاية، يتعقّد تدريجياً حتّى يتحوّل، في النهاية، إلى كارثة غير مُتوقّعة. كأغلب أفلام الدراما الإيرانية، تدور أحداثه بعيداً عن طهران، على الخليج الفارسي، صيفاً. المُراهق أوميد (مهدي جورباني) ـ والاسم يعني، باللغة الفارسية، الأمل (من هنا جاء العنوان) ـ يعشق السباحة. اسمه مُدرجٌ على لائحة المنافسة في المسابقة القومية للسباحة. لكنّ الأمور، التي تنجلي ببطء والمحتاجة إلى صبرٍ وجمعٍ للخيوط، تكشف استبعاد اسمه من المُدرّب العدواني المتعنّت كامران (ميلاد ميرزاي)، وحدوث خطأ إداري شكلي بسيط في عملية التقديم.

مُشكلة تدفع ليلى (ليلى رشيدي)، والدة أوميد، وعمّه سعدي (علي رظا كمالي)، إلى بذل جهد كبير في محاولة إنقاذ ما يُمكن إنقاذه، وإلحاق أوميد بالمسابقة. في تلك الأثناء، يتعرّف أوميد إلى المدرّب الشاب ماني (بنيامين بيروفاني)، الذي يعده، بعد جهد وتدريب، بالمشاركة في مسابقة أخرى مفتوحة في البحر، حيث الأمواج العاتية. لا يتوقف الأمر، مع أوميد وماني، عند هذا الحدّ، إذْ تتطوّر صداقتهما إلى مدى أبعد. في النهاية، يُلاحَظ كيف أنّ التسلّط العائلي، والعنف البدني، والقسوة الاجتماعية، تُفسد على الشخصيات كلّ شيء، ويخسر الجميع تقريباً.

رغم قوة المطروح فيه درامياً، وعمق موضوعه، نفسياً واجتماعياً، يبقى الفيلم متواضعاً فنياً، ولا جديد فيه إخراجياً.

التميّز الإخراجي حاصلٌ في الفيلم السياسي القاتم، "الكلمة"، للتشيكوسلوفاكية بياتا باركانوفا، الفائز بجائزة "أفضل إخراج". تدور أحداثه في تشيكوسلوفاكيا بين عامي 1968 و1969 ("العربي الجديد"، 8 يوليو/ تموز 2022). يُبيّن الفيلم، بحِرفية إخراجية ملحوظة، كيفية وقوف زوجين معاً في وجه الضغط السياسي الرهيب، في ظلّ نظامٍ قمعي، امتدّ حكمه حتى عام 1989، فدفعا ثمناً شخصياً باهظاً.

في الروائي "عليك أن تأتي وتشاهدها"، الحائز على "الجائزة الخاصة للجنة التحكيم" و15 ألف دولار أميركي، تناول الإسباني جوناس تروبا علاقة سريعة ولطيفة بين زوجين في الثلاثينيات من عمرهما، إيلينا (إيتساسو أرانا)، وغيليرمو (فرانشيسكو كاريل)، اللذان يلتقيان ذات أمسية مع زوجين من عمريهما، سوزانا (إيرين إسكولار)، ودانيل (فيتو سانز)، يدعونهما إلى زيارتهما في بيتهما الريفي. بعد فترة، تُلبّي إيلينا وغيليرمو الدعوة، ويذهبان إلى المنطقة النائية، خارج مدينة مدريد، حيث فيلا سوزانا ودانيل.

عندها، يبدأ الفيلم، على نحو لا يخلو من السخرية اللطيفة، في التألّق، بفضل نقاشات فكرية عن أساسيات الحياة وتعقيداتها. (النص الكامل على الموقع الإلكتروني) الفيلم عبارة عن لوحة سينمائية، موجزة وحيوية ومكثفة (64 دقيقة)، لا تحتاج إلى ساعات طويلة للتعبير عن المشاعر العميقة وإبرازها. مع تغليف كلّ هذا بنبرة وجودية مليئة بالكآبة، إلى حدّ ما، وبعض الفكاهة اللطيفة، وإنْ لم تخلُ الأحاديث التأملية الهادئة، شبه الفلسفية، من افتعال وحذلقة، رغم سلاسة الأحداث وبساطتها.

 

 

الفيلم التشيكي "حدود الحب"، للبولندي توماش فينسكي، فاز بجائزة "الاتحاد الدولي لنقّاد السينما"، وتدور أحداثه الغريبة في إطار دراما العلاقات الأسرية، الجنسية النفسية. وفيه تجاوزٌ لحدود العلاقة الزوجية المعروفة إلى أبعاد غير مسبورة، عبر بطليه الشابين بيتر (ماتياس رزنيتشك)، وهانا (هانا فاجنيروفا)، اللذين يتسرّب الملل إلى حياتهما، رغم حبّهما المتين، ما يدفعهما، أولاً، للتسلية والتجربة، إلى الانفتاح الجنسي على الغرباء، وسبر حدود الآخرين جنسياً، وانعكاس هذا على حياتهما وسلوكهما الجنسي، وعلى شخصيّتهما، ما يؤدي، في النهاية، إلى ما لم يتوقّعاه نهائياً.

في قسم "بروكسيما"، المُستحدث في هذه الدورة، فاز الوثائقي الطويل "استعراض المواهب الفنية"، للتشيكيين أديلا كومريزي وتوماش بويار، بجائزتين شبه مُستحقتين: "الجائزة الكبرى" و"الاتحاد الدولي لنقاد السينما"، وبـ15 ألف دولار أميركي. تدور أحداث الفيلم، الذي أدّى المونتاج فيه دوراً ملحوظاً للغاية، حول الروح التنافسية الخلّاقة بين شبابٍ يتقدّمون لامتحانات القبول في أكاديمية الفنون الجميلة، في براغ. لا يتمحور الموضوع حول مفهوم التنافس، أو ما شابه ذلك فقط، إذْ يرصد دور الفن الحديث، وتأثيره في المجتمع، وكيفية تقييم الأساتذة لمواهب الطلاب، والعمل على إطلاق الطاقات الإبداعية لدى الفنانين الشباب.

رغم أنّه ليس الأول في نوعيته السينمائية، يعطي الفيلم لمحة عامة عن كيفية اختيار طلاب كليات الفنون، وآليات التدريس، ومناقشة الأفكار، والحثّ على الإبداع والجنون، ومفارقة التقليدي والمطروق. ما يُفسّر، إلى حدّ بعيد، أسباب الأفكار الغريبة والجريئة والصادمة، أحياناً، في الفنون الغربية، مُقارنة بالجامد والمتحجّر والمُتكلّس فنياً لدى الشرق.

في القسم نفسه، فاز الروائي الإسباني "لا بيتا" (La Pietá)، لإدواردو كازانوفا، بـ"الجائزة الخاصة للجنة التحكيم"، وبـ10 آلاف دولار أميركي. والمُثير للانتباه، في جوائز هذا القسم، حصول أحد أقوى الأفلام فنية، "العم"، للكرواتيين ديفيد كاباش وأندريا مارديسيتش، على "تنويه خاص من لجنة التحكيم"، لا على الجائزة الكبرى ("العربي الجديد"، 11 يوليو/ تموز 2022).

المساهمون