في السادس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كشفت "بي بي سي" عن قائمتها لأكثر 100 امرأة تأثيراً وإلهاماً حول العالم لعام 2022. ضمت القائمة طبيبة الأسنان المصرية والناشطة في مجال حقوق المرأة جهاد حمدي.
جهاد حمدي هي مؤسسة ومديرة مبادرة "اتكلمي" (Speak Up) التي تستخدم منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، لتسليط الضوء على قضايا التحرش الجنسي والعنف بأشكاله كافة، منذ إطلاقها قبل نحو عامين. تشجع ضحايا العنف الاجتماعي على التحدث علناً عن الانتهاكات التي يتعرضن لها، وتوفر الدعم القانوني والنفسي لهن، وتضغط لإصدار تشريعات تضمن مجتمعاً آمناً وخالياً من العنف.
كانت بداية حملة "اتكلمي" عبر استطلاع أجرته جهاد حمدي على صفحتها الشخصية في "فيسبوك"، طلبت فيه من النساء اللواتي تعرضن للتحرش مشاركة قصصهن، بكتابة شهاداتهن عبر "استمارة غوغل". عن دوافع قيامها بهذا الاستطلاع، تقول حمدي: "مع ظهور قضية أحمد باسم زكي، انتشر عدد كبير من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، معظمها لرجال ربطوا ما حصل مع الضحايا بملابسهن، ودللوا على ذلك بأن فتيات عائلاتهم لا يتعرضن للتحرش، لأن لباسهن محتشم. كان ذلك الخطاب مستفزاً بالنسبة إليّ، لأني على دراية كاملة بأنه غير صحيح". تضيف: "هكذا، كتبت منشوراً، طلبت فيه من الفتيات اللواتي مررن بتجربة تحرش كتابة قصصهن في تعليق على منشوري نفسه، أو توجيه رسالة خاصة لي، أو تعبئة نموذج أعددته على استمارة غوغل. خلال أقل من ساعة، تلقيت الآلاف من التعليقات والرسائل عن قصص تحرش، بعضها من رجال".
ما هدف صفحة "اتكلمي" اليوم؟ تجيب حمدي: "هدفها دعم الضحايا، عبر توفير دعم قانوني ونفسي وتوفير مساحة آمنة، ليشاركوا فيها تجاربهم، من دون الاضطرار إلى الكشف عن هوياتهم، إلى جانب نشر التوعية وتغيير المفاهيم المغلوطة ومشاركة معاناة الناس وتجاربهم مع أنواع العنف المختلفة، وتبيان أثرها على حياتهم". تهدف الصفحة أيضاً، وفق حمدي، إلى "عمل حملات مختلفة لدعم قضايا والقبض على مرتكبي جرائم التحرش والعنف، كما حدث في قضية مايكل فهمي، إلى جانب عمل حملات لمقاطعة الأماكن التي تحرض وتطبع مع العنف ضد النساء، كما فعلنا مع إعلان عمرو دياب، ما أدى إلى حذفه".
كثير من النساء المعنفات يلجأن إلى صفحة على "فيسبوك" لمشاركة مشاكلهن، عوضاً عن اللجوء للقضاء، أو على الأقل لعائلتهن. لماذا؟ تقول حمدي: "لأنه ما زال هناك تطبيع مع العنف ضد المرأة، والعائلة غالباً ما تكون هي مصدر العنف أو اللوم أو الضغط على الضحية من أجل أن تسكت. والطريق القانوني ليس سهلاً دائماً، أو متاحاً لكل السيدات، خاصة اللواتي لا يحظين بدعم من عائلاتهن. وفي أوقات كثيرة يكون اللجوء لصفحة على فيسبوك هو الخطوة الأولى التي تتعامل معها الضحية بأريحية، باعتبار أن أحداً لن يكتشف هويتها، وهي أيضاً وسيلة تستطيع من خلالها التأكد من أن الخطوة التي أقدمت عليها صحيحة، وأن التعدي الذي تعرضت له غير مقبول".
ما سبب نشركم لتجارب الأشخاص الذين تعرضوا لمختلف أنواع العنف الاجتماعي، سواء التحرش، الضرب، الختان... إلخ؟ توضح حمدي: "لسنين طويلة، تُبرَّر تلك الجرائم بعبارات من قبيل: ما كلنا اتضربنا وطلعنا زي الفل/ما الستات كلها بيحصلها ختان ومحدش متضرر/ أمهاتنا ما اتعرضوش للتحرش عشان محترمين... كل تلك التبريرات، تسبب الخوف لدى الضحايا من أن يتكلموا عن معاناتهم في مجتمع مقتنع تماماً بأن ليس هناك متضرر. هذه المساحات تسمح للضحايا بأن يتكلموا من دون اسم، حتى يتجنبوا الوصم المجتمعي. وفي الوقت ذاته، يمكن للمجتمع أن يرى أن هناك شريحة من الناس متضررة، وتلك التجارب قد أثرت فيهم سلباً لعدة سنوات، كذلك تشجع باقي الضحايا على التكلم وكسر الصورة التي يصدرها المجتمع بأن الوقت كفيل بنسيان كل تلك الحوادث المؤلمة، فهناك أشخاص تجاوزت أعمارهم الـ 70 عاماً، يراسلوننا لتعريفنا بحوادث مروا بها منذ سنوات طويلة، وإلى الآن يعانون من آثارها".
في كثير من الأحيان، تتعرض هذه القصص للمساءلة من الناس، ويشككون في صحتها. في هذا السياق، توضح حمدي: "في أي جريمة، هناك ضحايا ومجرمون، والمجرم يخاف عندما تتكلم الضحية لأنها تهدد أمانه. كذلك هناك كثير من الضحايا يتخوفن من مواجهة الحادثة التي مررن بها، فيلجأن إلى تكذيبها واعتبار أنها لم تحدث".
أسهمت حملة "اتكلمي" في إدخال تعديلات على القانون المصري لمكافحة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وكذلك إلغاء حفلة سعد لمجرد، وسحب إعلان لعمرو دياب يروّج لتصوير السيدات من دون علمهن. كيف استطاعت مبادرة على "فيسبوك" أن تنمو بهذه السرعة وتجمع هذا القدر من الدعم، وعمرها لم يتجاوز العامين؟ تقول حمدي: "أنا مقتنعة بأن السبب في ذلك احتياج الناس للكلام والفضفضة والاعتراض على الكثير من الأمور التي كانت تسبب لهم مشاكل، فوجودهم معاً جعلهم أشجع، وهذا ما جعل الأعداد تتزايد والحملات تنجح. من دون اللجوء إلى الإعلانات المدفوعة (على فيسبوك مثلاً)، كانت تلك الحملات Organic، لأن الناس كانت مقتنعة بما تقوم به".
لم يكن ظهور اسم جهاد حمدي في قائمة "بي بي سي" هو التكريم الوحيد لجهودها، فقد حصلت على الجائزة الذهبية من قبل جوائز ستيفي في الولايات المتحدة، والجائزة الإنسانية الدولية من قبل Women4Africa في المملكة المتحدة، وغيرها، وهذا كان الجانب الجميل من القصة. ولكن هناك جانب آخر، فقد تعرضت حمدي، أيضاً، لحملات تشهير وتلقت رسائل تهديد تجاوزت مواقع التواصل الاجتماعي.
تحدثنا حمدي عن هذا الجانب المظلم في حملتها. تقول: "الموضوع ليس سهلاً. في كثير من الأحيان كنا نفكر، أنا وفريق المتطوعين الذين يعملون معي، أن نتوقف عمّا نقوم به، ولكن عندما نجد أننا نقدم يد المساعدة لشخص ما، أو نُسهم ولو بجزء صغير من التغيير في حياته، يشكل ذلك لنا دافعاً للاستمرار وتجاهل الجزء السيئ".
تضيف: "إلى جانب التشهير والهجوم الذي نتعرض له، والذي له أسبابه المفهومة، باعتباره صادراً عن ذكوريين أو جماعات متشددة، هناك أيضاً هجوم علينا من قبل مناصرين لنا بسبب التأخير أو عدم الرد على الرسائل مثلاً، وهذا كان محبطاً جداً في البداية، لأننا نحاول أن نساعد أشخاص يشتموننا، فنحن نجلس بالساعات للرد على أكثر من 1000 رسالة تصل إلينا. لكننا مع الوقت، أدركنا أنهم يغضبون أحياناً بسبب حاجتهم الملحة للمساعدة، وأصبحنا نوضح للناس من حين لآخر، أن ذلك التأخير يعود لإمكاناتنا المتواضعة، فنحن لسنا مؤسسة، ولا نتلقى تمويلاً من أحد لقاء ما نقوم به، فعملنا تطوعي وليس مقابل أجر".