جنين 2023 لمحمد بكري: كأن بالجرح ينزف مجدداً

18 يناير 2024
في مخيم جنين (ماجا هيتيج/ Getty)
+ الخط -

في عام 2002، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي المتمركزة في محيط مخيم جنين للاجئين، النار على الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري، والمخرج والمسرحي الفلسطيني جوليانو مير خميس، مؤسس مسرح الحرية في مخيم جنين، والممثلة فالنتينا أبو عقصة، ما أدى إلى إصابة الأخيرة بالرصاص الحي في يدها، خلال مشاركتهم في اعتصام عند حاجز الجلمة شمال جنين، لكسر الحصار على المخيم، والمطالبة بوقف المجزرة، ما دفع بكري، وفق ما أكد لـ"العربي الجديد"، إلى إنجاز فيلمه الشهير "جنين جنين"، الذي كان بمثابة شهادة عمّا حدث في المخيم من مآس بسبب قوات الاحتلال الإسرائيلية.
منعت السلطات الإسرائيلية عرض الفيلم أكثر من مرة، فيما تجوّل صاحبه في المحاكم الإسرائيلية لعشرين عاماً، حتى حكم بإدانته من محكمة إسرائيلية نهاية عام 2022، وإجباره على سحب نسخ الفيلم، وتعويض مالي ضخم لضابط ظهر فيه لثلاث ثوانٍ فحسب.

عودة إلى جنين

لم يكن بكري يتصوّر أنه سيعود سريعاً إلى ذاك المخيم بعد هذا الحكم الجائر، لكنه فعلها عام 2023، ليخرج بفيلم وثائقي حمل عنوان "جنين 2023"، وكان يفترض أن يُعرض ضمن منافسات مهرجان قرطاج السينمائي الدولي، أو في حفل افتتاحه، إلا أن المهرجان تأجل تضامناً مع قطاع غزة.
بكري لا يفضل فكرة سلسلة الأفلام في أجزاء، والمراكمة على نجاح فيلم لإنجاز آخر، مشيراً إلى أنه لو كان يريد ذلك، لما كانت الفترة الزمنية التي تفصل فيلمه الثاني عن الأول في مخيم جنين، تتجاوز الـ21 عاماً، لافتاً إلى أن قرار التوجه إلى حيث يعيد التاريخ نفسه، كان وليد اللحظة، كما التفكير في التصوير وإنجاز فيلم "جنين 2023".
يقول صاحب الفيلمين، في حديث إلى "العربي الجديد": "كنت في العاصمة الإيطالية روما مشاركاً في تصوير فيلم أميركي، وكان من المفترض أن أتوجه بعد ذلك إلى تونس، عندما اقتُحم مخيم جنين، ليقضي فيه عدد كبير من الشهداء. هكذا، قررت العودة. بعد أيام، زارني صحافيّان إيطاليّان يرغبان في تصوير تقرير عمّا يحدث في مخيم جنين. وبينما كانا يحدثاني عن مخططهما، بدأتُ أعود بالذاكرة إلى ما قبل أكثر من عشرين عاماً، وكأن بالجرح ينزف مجدداً، لتخرج مني عبارة وليدة اللحظة، أخاطب فيها ابني محمود عمّا إذا بإمكانه مرافقتي لتصوير فيلم في المخيم، فشجعني على الأمر، وأخبرني أن ثمة كاميرا بحوزته كونه كان يعدّ فيلم التخرج من جامعة دار الكلمة في بيت لحم. سرعان ما انطلقت برفقته ورفقة الإيطاليّيْن إلى المخيم، وبدأنا التصوير، وكان فيلم جنين 2023".

من تبقى على قيد الحياة

يلاحق بكري في فيلمه الجديد، الذي يمتد على مدار خمسين دقيقة، من تبقى على قيد الحياة من الشخصيات المحورية التي ظهرت في "جنين جنين"، ليكتشف أن الطفلة الأيقونة نجوى باتت تُكنّى الآن بأم راشد، وتعيش خارج فلسطين، ولها من الأبناء والبنات أربع، هي التي اشتهرت بنظرتها الحادة، وعبارتها التي بدت أكبر من عمرها، حين قالت، وقتذاك: "الأمهات ما خلصوش، راح نضل ننجب أطفال، وننجب رجال، أقوى من اللي راحوا".
واحتضن بكري في "جنين 2023"، وتم تصويره في أربعة أيام، كما يشير، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، الفلسطيني محمود العموري (أبو جميل)، الأصم الأبكم الذي قصّ المجزرة بلغة الإشارة وبطريقة مفزعة قبل واحد وعشرين عاماً. لم تتغيّر ملامحه كثيراً لكنه كبر بالسن كما بكري، وبات لديه ابن شهيد هو جميل العموري، ويعتبره كثيرون مؤسس "كتيبة جنين"، ومن أعاد الاعتبار إلى المقاومة المسلحة للاحتلال في المخيم، واغتيل في عملية لقوات الاحتلال، لكنه بقي أيقونة داخل المخيم وخارجه، هو الذي كان طفلاً دون السادسة عند تصوير "جنين جنين"، كما أنه صوّر مع وجوه جديدة في المخيم من أجيال مختلفة، وخاصة الأطفال في رسالة تنتصر للأمل رغم الألم.

يوضح بكري: "بالنسبة لي، جنين ومخيمها جرح مفتوح منذ أنجزت فيلم "جنين جنين"، وهي جرح مفتوح في تاريخ الشعب الفلسطيني منذ إقامة المخيم إثر نكبة عام 1948، فكان جنين 2023".

يضيف: "اكتشفت وأنا أصوّره أن كثيراً من شخصيات المخيم، وخاصة من ظهروا في الفيلم السابق، رحلوا لأسباب مختلفة، فصوّرت مع عدد ممّن بقي منهم. المقاومة تورّث في فلسطين جيلاً بعد جيل، وهذا ما حدث في مخيم جنين".

المساهمون