استمع إلى الملخص
- تبرير الاحتلال والإبادة: الاحتلال يبرر قصفه لجنوب لبنان وقطاع غزة بادعاءات غير مثبتة، مع ترويج لاستيطان الجنوب ومنع هجمات حزب الله، بدعم من وزراء إسرائيليين ومؤتمرات للمستوطنين.
- استراتيجية الرعب والبروباغاندا: نشر خرائط وأخبار زائفة لإخلاء القرى الجنوبية، واستخدام رسائل نصية لنشر الفزع، مما يعزز نظريات المؤامرة وأفكار الاستيطان في المجتمع الإسرائيلي.
بدأ الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على جنوب لبنان بمجزرة الـ"بيجر"، ثم بدأ القصف اليومي الذي راح ضحيته نحو 600 شهيد حتى لحظة كتابة هذا المقال، وتهجير الآلاف من الجنوب والبقاع الذين تقصف بيوتهم وقراهم.
التمهيد للهجوم على جنوب لبنان، بدأ قبل إعلان عملية "سهام الشمال"، وبعد أيام من عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إذ جرى تداول فرضية مفادها بأن الهجوم كان من المفترض أن يشنّه حزب الله على "شمال إسرائيل"، لكن حماس قرّرت استباق الحزب، وتنفيذ الهجوم بنفسها. تداولت أيضاً وسائل إعلام إسرائيلية خطة سريّة لحزب الله، هدف فيها إلى استعادة شمالي الأراضي المحتلة، أو الجليل الأعلى، مستفيداً من خلو المستوطنات هناك، عبر زحف برّي وإقامة قواعد عسكرية، ليُتهم حزب الله بتحويل شمال الأراضي المحتلة إلى ساحة معركة، الأمر الذي لا إثبات عليه سوى الإشاعات في "إسرائيل".
هذه الذرائع لا مصدر لها سوى عقلية الاحتلال، لتبرير ارتكاب الإبادة الجماعية في قطاع غزة وقصف جنوب لبنان. إبادة ترافقها جهود استيطانية، والترويج لاحتلال جنوب لبنان، وتصريحات تتهم "السيادة اللبنانية" بالفشل في "السيطرة على حزب الله"، ما يعني "ضرورة تدخُّل إسرائيل"، وكأنها الضابط للتغيرات السياسية في المنطقة، الذي يتدخل عند الحاجة.
هذا الترويج بدأ مطلع هذا العام مع انعقاد مؤتمر للمستوطنين، يدعمه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. وفيه ظهرت جماعة "صغيرة جداً"، حسب وصف صحيفة هآرتس، تحلم باستيطان الجنوب لمنع حزب الله من الهجوم من هناك على إسرائيل. نُشر أيضاً كتاب للأطفال باسم "ألون في لبنان" يتحدث عن "شوق الأطفال إلى جبال لبنان"، كنوع من الدعاية الصهيونية الموجهة بهدف "غسل دماغ الأطفال" من أجل تحقيق الحلم بـ"إسرائيل الكبرى".
مع بداية العدوان على الجنوب، نشرت خرائط لأسماء القرى جنوب لبنان بالعبريّة، فضلاً عن الخرائط والبلوكات التي تنشر عن جنوب لبنان من أجل أن "يخلي" الناس أماكن وجودهم تجنباً للقصف. تلى ذلك أخبار زائفة عن منشورات رُميت من السماء تدعو سكان عاليه إلى إخلاء بيوتهم، كونها ستتعرض إلى القصف، الأمر الذي كذبته بلدية عاليه. لكن ما يمكن فهمه أننا أمام استراتيجيّة لنشر الرعب والفزع، سواء عبر الطائرات التي تكسر جدار الصوت في سماء لبنان، أو الترويج للأخبار الكاذبة ذات القوة الآنية، ويتلاشى تكذيبها لاحقاً ضمن تسارع الأحداث.
أكبر الأكاذيب التي يُروّج لها الاحتلال الإسرائيلي بخصوص الجنوب، تتضح في الرسائل التي وصلت إلى هواتف سكان الجنوب، وتدعوهم إلى إخلاء بيوتهم أو الأماكن التي تحوي أسلحة وصواريخ لحزب الله. نص الرسالة يفترض أن المدنيين وسكان الجنوب يعلمون أين توجد الصواريخ والأسلحة، وهم بقربها ويسكتون عن ذلك، والسكوت هذا يعني الموت. في الوقت نفسه، تفترض الرسائل أيضاً أن إسرائيل تعلم أين الأسلحة، في تجاهل تام للأنفاق والمخابئ السريّة، التي لا يعلم مكانها أحد.
نحن أمام مزيج من نظريات المؤامرة والبروباغاندا والأكاذيب والترويج لأفكار الاستيطان. تلك الأفكار شديدة "التعصب"، حسب وصف "هآرتس"، التي لم يدعُ إليها حتى سموترتش وبن غفير. لكن، أمام الدعوات إلى الإبادة الجماعية والتحريض على تهجير الغزيين وقتلهم، ترعى حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل هذه الأصوات ولو من دون تبني أفكارها، خصوصاً أن هذه الأكاذيب والأفكار ذات صدى في إسرائيل، ككذبة قطع رؤوس الأطفال في السابع من أكتوبر.
هذا يعني أن الحرب على جنوب لبنان ذات مبررات شعبية تختلف عن تلك الرسمية التي يقول بها وزير الأمن يوآف غالانت حول عودة مستوطني شمال إسرائيل إلى بيوتهم.