أثار اعتقال السلطات المغربية لنحو 50 شاباً وشابة، بتهمة "الإفطار العلني" في شهر رمضان التي يعاقب عليها القانون الجنائي جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى بعد الإفراج عنهم في اليوم نفسه.
وكانت قوات الأمن المغربية قد دهمت، مساء الأربعاء، مقهى وسط مدينة الدار البيضاء، كان يقدم وجبات ومشروبات لزبائنه، واعتقلت مجموعة من الشباب وصاحب المقهى.
وفي كل رمضان، يتجدد الجدل في المغرب حول الحق في الإفطار العلني بين أصوات حقوقية ومدنية عدة تؤيده بدعوى الحريات الفردية التي تنص عليها مختلف المواثيق الدولية، وأصوات أخرى ترى في الأمر استفزازاً صريحاً للمسلمين الصائمين.
وخلال السنوات الماضية، أطلقت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو الى الحق في الإفطار خلال رمضان، مثل مجموعة "ماصايمينش" (لن نصوم) على موقع فيسبوك، وشعار "الإفطار ليس جريمة" على موقع تويتر. كما نظمت بعض الجماعات إفطارا جماعيا في شوارع بعض المدن المغربية، خلال رمضان، لتلاحقهم السلطات قضائياً بعدها.
وينص "الفصل 222" من القانون الجنائي المغربي على أن "كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان في مكان عمومي، من دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة مالية من 12 إلى 120 درهماً".
وبينما أفرجت قوات الأمن ليل الأربعاء عن الشبان والشابات المعتقلين، بعد الاستماع إليهم وفق محاضر رسمية، كان لافتاً الاختلاف البين في مواقف رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب.
وفي السياق، كتب رئيس المنتدى المغربي للصحافيين الشباب، سامي لمودني: "إيقاف شبان من فضاء خاص (مقهى)، للاشتباه في ارتكابهم جنحة الإفطار العلني خلال شهر رمضان، لا يشكل ضربة موجعة للحريات الفردية فقط، وإنما تهديداً لكل المكتسبات الحقوقية التي راكمتها بلادنا، وعودة لمنطق رجعي في التعامل مع القوانين". وأضاف: "قد أتفهم إيقاف أشخاص تناولوا طعاماً أو شربوا ماء في فضاء عمومي، ولكن متابعة شابات وشبان كانوا داخل مقهى يشربون ويأكلون بعيداً عن أعين الجميع، فهذا يشكل تأويلاً متعسفاً للنص القانوني في حد ذاته".
وقال الناشط الحقوقي والرئيس السابق للعصبة المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، عبد الرزاق بوغنبور، عبر حسابه في "فيسبوك": "لا لمحاكم التفتيش الدينية، الدولة من واجبها توفير كل الحاجيات لإسعادي في الدنيا، أما دخول الجنة أو جهنم من مسؤوليتي الشخصية في علاقتي مع خالقي، ولا تتحمل فيه الأجهزة الحاكمة أي مسؤولية".
وعلقت الناشطة نبيلة جلال: "وأنا أطالع خبر اعتقال شبان وشابات من مقهى بدعوى الإفطار العلني في رمضان، حضرتني واقعة القاضية اللبنانية جوسلين متى التي حكمت على شابين مسلمين قاما بتلويث تمثال مريم العذراء بحفظ سورة آل عمران كشرط اساسي لإطلاق سراحهما من تهمة ازدراء الأديان... الاعتقال لهكذا تهم يؤجج الخلاف ويهدم قيم التعايش في المجتمع".
في المقابل، قال الشيخ الحسن الكتاني، أحد أبرز الأسماء السلفية في المغرب، عبر حسابه في "فيسبوك"، إن "ما فعلته السلطات المغربية اليوم من مداهمة مقهى لجماعة من المنتهكين لحرمة شهر رمضان المعظم أمر يشكرون عليه ويحمد لهم، جزاهم الله خيراً، وهو من واجبات السلطة في دولة مسلمة يعظم أهلها أحكام الصيام والعبادات".
وعلى المنوال نفسه، كتب الناشط محمد باحسين أن "الإفطار عمداً في العلن هو استفزاز لمشاعر المسلمين، ورغم أن الصيام يبقى عبادة بين العبد وخالقه كالصلاة، لكن أن تفطر في العلن فهذا خرق للقانون وعدم احترام مقدسات الدولة الإسلامية".
ورأى الناشط نجيب البقالي أنه "يمكن إعادة النظر في المادة المجرمة بكثير من النقاش والهدوء إما بالإلغاء أو إعادة النظر في العناصر التكوينية للجريمة أو العقوبة"، مشيراً إلى أن "الأمر لا يحتاج إلى كثير لغط، وأن ارتفاع الأسعار أولى بالمناقشة والمتابعة".
وكتب مدير موقع "أكورا بريس" الحسين يزي أن "المجتمع إلى حدود الساعة يرفض الإفطار العلني في نهارات رمضان. لذلك، يمكن فهم تدخلات الدولة من حين لآخر في هذا الباب، على أنه تجاوب مع سلطة المجتمع، وليس ضداً على الحريات الفردية أو تماهياً مع بعض أصحاب الرأي في الدين".