جدل حول أوّل مبلغي محفوظ بجائزة نوبل: هل كانوا مصريين أم إسرائيليين؟

13 أكتوبر 2022
تحلّ اليوم الخميس ذكرى فوز الكاتب المصري بالجائزة (Getty)
+ الخط -

تجدّد الجدل حول الأديب الراحل نجيب محفوظ في الذكرى السنوية لفوزه بجائزة نوبل للآداب، عقب إيراد مغرّدين شهادات قديمة منسوبة لمعاصريه من الأدباء والمقربين منه، تشير إلى أنّ أوّل من أبلغه بنبأ فوزه بالجائزة هم مسؤولون إسرائيليون.

واستدعى نشر تلك الشهادات إدلاء صحافيين وكتاب بشهاداتهم حول الواقعة نفياً لتلك الرواية.

وعادةً لا تخلو الذكريات المتعلقة بأديب نوبل من جديد كلّ حين، حيث حلّت قبل أعوام ذكرى رحيله لتحمل مفاجأة فجّرتها ابنته أم كلثوم بشأن قلادة النيل المزيفة، التي منحها له الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وتصادف اليوم الخميس ذكرى حصول محفوظ على جائزة نوبل، مع جدل مستمر منذ أيّام يتعلّق بمدى علاقة مؤثّرين يهود بمنحه إياها.

اندلع الجدال هذه المرّة بعد منشورٍ على "فيسبوك" للطبيب المصري المهتم بالشؤون الأدبية جمال ضرغام، زعم فيه أنّ أوّل من أبلغ محفوظ بنبأ فوزه بالجائزة كانا كلّا من رئيسي الوزراء الإسرائيليين الأسبقين مناحيم بيغن وشيمون بيريز.

واستشهد ضرغام بمقربين من محفوظ في حياته، قال إنّهم أدلوا بهذه الشهادات في حينها، ومنهم الروائيان يوسف القعيد ومحمد سلماوي، علاوةً على وزير الثقافة الأسبق الراحل جابر عصفور. استدعت هذه المزاعم ردوداً من أشخاصٍ وجهات عدّة عبر منصات التواصل الاجتماعي.

تفنيد الرواية

ورداً على رواية اتصال مسؤولين إسرائيليين بمحفوظ لإبلاغه بفوزه قبل إعلانه، قال رئيس تحرير صحيفة الأهرام القاهرية السابق عبد العظيم حماد إنّه كان أوّل من أبلغ محفوظ بفوزه فور تلقي الخبر من وكالات الأنباء، حتى أنّه "استيقظ من قيلولته مندهشاً وغير مدرك".

وبدا أثر النوم على صوت محفوظ وهو يتحدّث في الهاتف، ولم يصدّق في البداية واعتبرها مزحة، حتّى سمعها من آخرين من الصحافيين الذين يعرف أصواتهم.

وأضاف في منشور على حسابه الرسمي على "فيسبوك" أنّ زوجة محفوظ ردّت على هاتف المنزل وقالت إنّه نائم، فطلب حماد إيقاظه وانتظر حتّى ردّ غير مستوعب للخبر.

واستشهد حماد في ردّه على ضرغام بالصحافيين الراحلين محمد باشا وسامي خشبة، وكان الأديب الراحل يعرف جيداً صوت سامي خشبة، فأرسلت له الصحيفة سيارة تأتي به إلى مبنى مؤسسة الأهرام.

كما نفى الروائي يوسف القعيد الشهادة التي نسبها إليه ضرغام، مؤكداً أنّ "محفوظ أبلغه بأنّ سفير السويد في القاهرة ذهب إلى منزل نجيب محفوظ وأعلمه بفوزه رسمياً بجائزة نوبل في الآداب قبل الإعلان الرسمي"، مشيرا إلى أنّ هناك رواية أخرى نسبت إلى محفوظ، فحواها أن زوجته أيقظته من النوم وقالت له: "أنت فزت بجائزة نوبل فقال لها بطلي تخريف".

وتابع القعيد في تصريحات صحافية قائلاً: "قد تكون معلوماتي في هذا الصدد غير دقيقة، لكن ما أثق فيه أنّ كلّ ما يتردّد حول اتصال أشخاص من إسرائيل بنجيب محفوظ غير صحيح على الإطلاق".

وفي مذكراته التي سجّلها الناقد رجاء النقاش لنجيب محفوظ تحت عنوان "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ"، يؤكّد أديب نوبل على رواية عبد العظيم حماد، ليهدم رواية أخرى ذكرها الصحافي محمود الشربيني، الذي أكّد وجوده مع محفوظ على مقهى بفندق شهرزاد وقت إبلاغه بالجائزة، وهاجم من قال إنهم أول من أبلغوه هاتفيا وهو نائم في بيته.

شهادة مثيرة للشكوك

وكان ضرغام قد كتب على "فيسبوك" أنّ بيريز وبيغن كانا أوّل من هنأ محفوظ بحصوله على "نوبل" يوم 13 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1988.

وقال ضرغام: "كان الشاهد ـ جابر عصفور ـ حيّاً وقت نشر هذا الكلام في الدنيا كلها، وما زال أحد الشهود حيّاً، وهو الروائي يوسف القعيد، وكان لصيقاً بمحفوظ هو والكاتب محمد سلماوي.

وادعى أنّ أستاذ اللغة العربية في جامعة استوكهولم، البروفيسور عطية عامر، وهو صاحب ترشيح محفوظ لـ"نوبل"، قال إنّه تبرّع عام 1967 ورشّح عميد الأدب العربي طه حسين لنيل الجائزة، دون أن يطلب أحد منه ذلك، لكنّ الوقت لم يكن مناسباً لأنّ الغرب كلّه كان ضد مصر وضدّ الرئيس جمال عبد الناصر وقتها، ثمّ كرّر ترشيح أسماء عربية، منها نجيب محفوظ.

وقال إنّ يوسف القعيد التقى بعطية عامر أربع مرات، و"كلّ مرة خمس ساعات كاملة"، لإقناعه بترشيح محفوظ، وادّعى أنّ القعيد سعى لاحقاً ليجمع بين عامر ومحفوظ، "لكي يثني الأخير عن قناعته بأنّ أدباء وكتابا يهوداً، وخاصة من الفرنسيين، لهم الفضل في حصوله على الجائزة".

وينسب ضرغام قصة اتصال المسؤولين الإسرائيليين بمحفوظ لإبلاغه بالفوز إلى البروفيسور عامر، وينسب إلى القعيد قوله إنّ نجيب محفوظ أخبره بأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن هنّأه بالجائزة قبل حصوله عليها بدقائق، وكذلك شيمون بيريز، مؤكداً له في اتصاله أنّ إسرائيل "هي التي جابت الجائزة".

ويمضي ضرغام في روايته، مشيراً إلى أنّ القعيد أبلغه بأنّه أحد ثلاثة كانوا بجوار محفوظ عندما هنّأه بيغن وبيريز.

ومنح مبارك لمحفوظ، في عام فوزه بـ"نوبل" نفسه، قلادة النيل التي تبيّن لاحقاً أنّها مزيفة وليست من الذهب كما هو معروف، بل من الفضة المطلية بالذهب، فأشار محفوظ على ابنتيه وزوجته وقتها بكتمان الأمر، اتساقا مع شخصيته التي تتجنّب الصدام مع أحد أو جهة، بحسب متابعين.

وعدا عن شهادة حماد ونفي القعيد للرواية المنسوبة إليه، فإنّ الاضطراب يبدو ظاهراً على الرواية الخاصة باتصال مسؤولين إسرائيليين بمحفوظ، خاصةً أنّها تذكر مناحيم بيغن على أنّه رئيس الوزراء الإسرائيلي، فيما الحقيقة أنّ إسحق شامير كان هو الذي يشغل هذا المنصب. وهو الأمر الذي برّره ضرغام باختلاط الاسمين على عامر.

وظلّت مسألة تأييد الكاتب الراحل للسلام بين العرب وإسرائيل هاجساً يطارد نيله جائزة نوبل للآداب، إذ قال الشاعر الفلسطيني سميح القاسم لمجلة الوسط اللندنية إنّ محفوظ فاز بجائزة نوبل للآداب في الثمانينيات بسبب مواقفه المؤيدة لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وهو نفسه ما ردّده من قبل الأديب يوسف إدريس.​

المساهمون