حتى الساعات الأخيرة قبل رحيله، كان المنتج الفني اللبناني جان صليبا مقاومًا. كل الأطباء الذين أشرفوا على حالته الصحية قبيل دخوله غرفة الإنعاش، أكدوا أن مقاومته لتداعيات إصابته بكورونا، كانت أقوى من الفيروس نفسه. لكنه استسلم يوم الإثنين الماضي لهبوط حاد في نسبة الأوكسجين في دمه، أدى إلى الوفاة.
لم يكن جان صليبا مجرد منتج فني عابر، تعلق منذ صغره بالموسيقى الغربية، واتجه إلى متابعة التطور الموسيقي في الغرب، وعمل بعدها على تأسيس وتجهيز مكتب فني واستديو خاص بأبرز التقنيات الحديثة بالموسيقى والصوت.
كانت موهبة صليبا "فطرية" مثل كثير من الموسيقيين أو الملحنين. وكان يثبت دائمًا أنه صاحب الأفكار الصائبة، بمفردة أخرى صاحب "الأغاني الضاربة" بعد نجاح كل مشروع فنّي يستثمره، أو العمل على إطلاق مغنية وضمان نجاحها.
بدأ حياته الفنية في شركة "ميوزك ماستر" بعد أن شارك صاحبها غسان عجو في الإنتاج الفني مكتشفًا مجموعة من الأصوات التي كانت تبحث عن فرصة إنتاج أو ضوء، مثل: ميريام فارس، وإليسا، ونيللي مقدسي، وحسناء المغربية، ونانسي عجرم، وغيرهنّ. أواخر التسعينيات، أطلق جان صليبا الفنانة، إليسا، ومع انطلاقتها ذاع صيته في لبنان، بعد نجاح أول أعمال غنائية أعدّها بنفسه، وساهم في بيعها لشركات الإنتاج. ولم يغفل بالطبع الصدمة التي أحدثها عندما قرر أن تقف إليسا إلى جانب المغني العالمي كريس دو بورغ وتصور "ديو" خاصا حمل عنون "ليبانيز نايت" أو "ليالي لبنان"، ما فتح الباب أم إليسا لتخطو السلم وتصبح واحدة من أشهر مغنيات العالم العربي اليوم. ورغم خلافات إليسا وجان صليبا، لم يستسلم صليبا لإيمانه بمشروع إليسا الفني، والمشاركة في بعض الأغاني من ألبومها الأخير "صاحبة رأي" 2020.
عام 2009 اختار صليبا الفنان العالمي، ديميس روسوس، ونفذ "ديو" جمعه بالمغربية حسناء التي كانت تشق طريقها الفني بعد أن اختارت بيروت للإقامة وتبنّاها صليبا وشركة "روتانا" فيما بعد. حقق الديو Faraway بين روسوس وحسناء أكثر من 20 مليون مستمع حتى اليوم، في إخراج موسيقي واضح تبناه صليبا ونفذه على نفقته الخاصة ليمنح حقوقه فيما بعد لشركة "روتانا" التي سيطرت وقتها على سوق الإنتاج العربي للإصدارات الغنائية، وانضمت إليها معظم المواهب، مثل أمل حجازي بتمهيد من صليبا، بعد ألبومها الأول من إنتاج صليبا أيضًا.
حاصرت شركة "روتانا" الفنانين بعقود وتواقيع طويلة الأمد. فانضمت إليسا، ولا تزال، إلى "روتانا"، وكذلك فعلت أمل حجازي حتى أعلنت اعتزالها الفني قبل سنوات بشكل نهائي. لم يقلل صليبا من دعمه للفنانة سيرين عبد النور التي قصدته لدخول عالم الفن، وكيف عمل جاهداً على إعداد مجموعة من الأغاني الخاصة بأسلوب سيرين عبد النور الأقرب إلى الاستعراضي.
ولاقت هذه الأعمال مساحة جيدة على الخارطة الفنية آنذاك، إلا أن عبد النور اتجهت بشكل أكبر نحو التمثيل. حاولت روتانا "توظيف" جان صليبا للاستفادة من موهبته الفنية وحصرها ضمن الشركة وكسب علاقات صليبا مع أبرز النجوم العالميين. وهذا ما حقق نجاحاً استثمرته الشركة وأنكره صليبا لأنه رفض التنازلات أو التدخل في عمله. خلافات ووجهات نظر متضاربة أوقعته بخلاف دائم مع مدير "روتانا" سالم الهندي، فأعلن إقصاءه عن منصبه في الشركة عام 2009.
تعهد جان صليبا مجموعة من الحفلات لنجوم عالميين في بيروت، وكان من بينهم الفنان خوليو إيغليسياس (2009)، حفل تحول إلى ما يشبه المهرجان الكبير مع ما حمله صليبا نفسه من تحد كبير ونجح، وذلك بعدما نظّم حفلات DJ Tiesto وAkon.
لكنّ خوليو بحسب صليبا يومها: "خوليو" مختلف جداً ويحمل كل ما في الذاكرة والوجدان لاجيال متلاحقة كبرت على صوته وادائه الساحر.