جائزة نوبل: سلام الديناميت

07 أكتوبر 2023
تمنح جوائز نوبل في العاصمة السويدية (جوناثان ناكستراند/فرانس برس)
+ الخط -

تتشارك جائزة نوبل للآداب مع جائزة السلام بهذا الصخب، وقليلاً ما يحدث ذلك مع الجوائز الأخرى، وإن حصل أحياناً كما في حالة العالم ألفرد أينشتاين الذي رفضت اللجنة عدة مرات منحه الجائزة، ولكنها أقرت بأهليته لها عام 1921، ومع ذلك لم يحصل عليها على إنجازه الأساسي الأهم النظرية النسبية، وإنما لاكتشافه قانون التأثير الكهروضوئي.

مات المجرم

لم يكن ألفرد نوبل يفكر في منح جائزة في حقل السلام، بل إنه لم يكن ينوي إطلاق جائزة نوبل من أساسها! كان السبب المباشر وراء قراره قراءة صحيفة فرنسية نشرت عام 1888 بالخطأ نعياً له، بدل نشر خبر وفاة أخيه الذي قضى في مدينة كانّ الفرنسية. وعنونت الصحيفة الخبر كالتالي: "تاجر الموت مات. نوبل الذي أصبح غنياً من خلال إيجاد طريق أسرع لقتل الناس توفي". أيقظ الخبر ضمير مخترع الديناميت عام 1867 ضمن 350 اختراعاً سجلت براءة اختراعهم باسمه، إذ اخترع للديناميت ولغيره من المواد المتفجرة أجهزة وكبسولات تفجير، وأضاف لاختراعه المميت اختراع مادة الجلجنيت، وهي هلام متفجر أكثر قوة من الديناميت، وانتهى أخيراً لاختراع مادة الباللستيت، وهي مسحوق متفجر عديم الدخان يستخدم في الصواريخ.

كان نوبل يملك 90 مصنعاً للأسلحة واستثمارات في حقول نفط بحر قزوين مما منحه ثروة كبيرة، ولكنه كان يعيش ــ كما رصد مؤلفو سيرته ــ وحيداً مكتئباً من دون زوجة ولا أولاد. في قرارة نفسه كان نوبل محباً للسلام ويكتب الشعر والمسرحيات، وقد طبع ديوانه الشعري "العدو"، في فترة احتضاره ونشرت له أربع مسرحيات بعد وفاته.

دفعه خبر الصحيفة للتفكير بإرثه في التاريخ، فأوصى بدون علم عائلته وأصدقائه بـ94 في المائة من ثروته لمنح جائزة نوبل في حقول خمسة، هي الكيمياء والفيزياء والطب والأدب والسلام. أنشئت لاحقاً عام 1968 جائزة نوبل للاقتصاد، ولكن الجدال ما زال إن كانت تعتبر من جوائز نوبل أم لا.

يتسلم الفائز ميدالية وجائزة مالية تقدر بمائة ألف دولار، ويشترط أن يكون على قيد الحياة. وتوزع الجوائز في حفلين في ذكرى وفاة ألفريد نوبل في 10 ديسمبر/ كانون الأول، أولهما في مدينة استوكهولم، والثاني لجائزة السلام في مدينة أوسلو.

مدام نوبل

لم يكن نوبل ينوي ضم حقل السلام لجائزته، ولكن سكرتيرته برتا فون سونتر أقنعته بذلك، وحصلت لاحقاً على جائزة نوبل للسلام عام 1905 لجهودها في مجال السلام. عملت برتا مدة أسبوعين سكرتيرة لنوبل في باريس، وأعجب بها وتقدم لخطبتها، ولكنها كانت تمتلك خططاً أخرى لحياتها، فانخرطت في أنشطة الدعوة للسلام، وألّفت عدة روايات أهمها "ألقوا السلاح" أدانت فيها نزعة العسكرة عالميا، وظلت على صداقة وتراسل مع نوبل، وطلبت منه التبرع لصالح جمعية السلام، فوافق، وحضر معها مؤتمر السلام في مدينة برن السويسرية. وأخيراً، وبسبب مراسلاتها، اقتنع نوبل بتخصيص جائزة للسلام، وكتب لها بذلك. صنعت عدة أفلام عن حياتها ونشاطها السلمي، كان آخرَها فيلم نمساوي أنتج عام 2014 بعنوان "مدام نوبل". سئلت قبل حفل استلامها الجائزة عن علاقتها بنوبل فأجابت: "لقد خلقنا لبعضنا".

سلام الديناميت

أوصى نوبل أن تمنح الأكاديمية السويدية للعلوم، وكان عضواً فيها، جائزتي الكيمياء والفيزياء، فيما يمنح معهد كارولينسكا الطبي السويدي جائزة الطب، وتمنح الأكاديمية السويدية جائزة الأدب، أما جائزة السلام فتمنحها اللجنة النرويجية لجائزة نوبل. تتشكل اللجنة النرويجية من خمسة أشخاص يتم انتخابهم من قبل البرلمان النرويجي لست سنوات، وعادة ما يتم اختيارهم من قادة الأحزاب المتقاعدين، وتترأسها منذ عام 2012 بيريت ريس أندرسن، وهي محامية وروائية ووزيرة سابقة من حزب العمال النرويجي. تجتمع اللجنة في معهد نوبل للسلام، والذي تأسس عام 1904، وتعلن عن الجائزة منه، ويُعقد مؤتمر صحافي للفائز في 9 ديسمبر، قبل يوم من حفل توزيع الجوائز في قاعة مدينة أوسلو.

فرسان السلام

منحت الجائزة لأول مرة عام 1901 لكل من السويسري جان هنري دونانت لدوره بإنشاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وللفرنسي فريدريك باسي المنظم الرئيسي لمؤتمر السلام العالمي، والاثنان تأثرا بالعالم العربي. زار دونانت مع شركة جنيف للمستعمرات الجزائر وتونس، وكتب عن تونس كتابا وأسس في الجزائر شركة تجارية. أما باسي فقد تربى ضمن عائلة عسكرية، وتأثر بالقصص المروعة عن أهوال الغزو الفرنسي للجزائر مما دفعه للتفكير بأهوال الحرب.

حجبت الجائزة سبع عشرة مرة خلال سنوات الحربين العالميتين الأولى والثانية وفي بعض الأعوام الأخرى لعدم وجود مرشح، وقد رفضها الفيتنامي لي دوك ثو عام 1973 حين حصل عليها مناصفة مع هنري كيسنجر لدورهما في التوقيع على اتفاق باريس والذي أنهى القتال في فيتنام، دوك الذي قاد المفاوضات عن الجانب الفيتنامي رفض الجائزة لأن الولايات المتحدة لم تلتزم بالاتفاق مصرحاً: "السلام لم يتحقق فعلاً". ويذكر أن اثنين من أعضاء اللجنة استقالا احتجاجاً على منح كيسنجر الجائرة.

كما رفض الأديب الفرنسي جان بول سارتر جائزة نوبل في الأدب عام 1964، وكتب للأكاديمية السويدية: "لا أستطيع ولا أرغب، الآن ولا في المستقبل، أن أقبل هذه الجائزة". ومن الطريف أن الأديب الأيرلندي جورج برنارد شو رفض جائزة نوبل للآداب عام 1925 ساخراً من الجائزة وصاحبها، ولكنه تراجع وقبلها لاحقاً.

في تاريخ الجائزة أيضاً إجبار الزعيم النازي أدولف هتلر لثلاثة من العلماء الألمان على رفض الجائزة، وكذلك إجبار الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف الأديب الروسي بوريس باسترناك على رفض جائزة نوبل للآداب عام 1958 على روايته "دكتور جيفاغو"، والتي حولت لاحقاً لفيلم يعد من أيقونات السينما العالمية.

تشكيك واتهامات

لم يحظ الفائزون بالجائزة بقبول الجميع، فقد نالت الجائزة انتقادات كثيرة بسبب اختياراتها أحيانا وبسبب إهمالها لبعض الشخصيات أحيانا أخرى، ولذا نجد اعتراف اللجنة أن غياب اسم غاندي من قائمة مكرمي جائزة نوبل خطأ تاريخي في حين تم تكريم من شاركوا بعمليات إبادة جماعية وحروب، كرئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن الذي حصل على نوبل عام 1978 بالمشاركة مع الرئيس المصري محمد أنور السادات لدورهما بعقد اتفاقية كامب ديفيد. ولا يخفى على أي باحث دور بيغن في التطهير العرقي للفلسطينيين ودوره في مذبحة دير ياسين واغتيال ممثل الأمم المتحدة السويدي الكونت فولك برنادوت عام 1948، لقد تحدث هو عن ذلك في مذكراته. وكذلك منحت الجائزة عام 1994 لياسر عرفات وإسحاق رابين وشمعون بيريز على دورهم بعقد اتفاق أوسلو، وتناست اللجنة تاريخ رابين بهندسة عملية تهجير الفلسطينيين عام 1948 وأنه كان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي خلال عدوان 1967، وأنه مخترع سياسة تكسير العظام خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، فيما شريكه بيريز هو منفذ مجزرة قانا عام 1996 وأحد مهندسي السلاح النووي الإسرائيلي ومنسق الطرف الإسرائيلي خلال العدوان الثلاثي على مصر 1956، ومدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلية وعمره لم يتجاوز الثلاثين.

نذكر هنا اعتراض أحد أعضاء اللجنة، وهو كوري كريستيانسن رئيس سابق لحزب الشعب المسيحي، على منح عرفات الجائزة ورفض حضور حفل التكريم، بل إنه سافر إلى إسرائيل خلال الاحتفال مصرحاً بأنه لا يريد أن يكون في أوسلو طالما عرفات فيها.

كما طالب ناشطون بسحب الجائزة من بعض الفائزين بها نظرا لما قاموا به بعد فوزهم، ومنهم رئيسة وزراء ميانمار أون سان سوتشي التي منحت الجائزة عام 1991 وارتكب جيش بلادها تحت حكمها مجازر جماعية بحق مسلمي الروهينغا عام 2018. وينطبق الأمر نفسه على رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد الذي منح الجائزة عام 2019، ودخل في حرب أهلية بعدها في منطقة تيغراي. فيما طالب بعض الصحافيين بسحب الجائزة من الناشطة الكينية البيئية وانجاري ماتاي عام 2004 لتصريحها بأن فيروس الإيدز مصنّع في المختبرات الغربية للقضاء على العرق الأسود. ومن أطرف ما قرأت، أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب صرح بأنه الأحق بجائزة نوبل للسلام، وأن باراك أوباما لم يكن يعرف سبب حصوله عليها عام 2009.

المساهمون